ماذا يدور بين روسيا وتركيا وأميركا بشأن “منبج” السورية؟
أعلنت تركيا الأسبوع الماضي، أنّها توصلت إلى تفاهم مع روسيا بشأن تطبيق خارطة الطريق حول منطقة منبج السورية وفق الاتفاق المبرم بين أنقرة وواشنطن، بحسب ما ورد على لسان المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن.
ويطرح هذا الإعلان تساؤلاً مهما حول حقيقة التوافق الفعلي بين تركيا وأميركا وروسيا على تطبيق خارطة الطريق الخاصة بمنبج، ومدى توصل القوى الثلاث إلى رؤية مستقبلية موحدة تجاه المدينة السورية، التي تتواجد فيها قوات سوريا الديمقراطية “قسد” بدعم أميركي، وهو ما تعتبره أنقرة تهديدا لأمنها القومي وحدودها المشتركة مع سوريا.
ويأتي الإعلان التركي حول التفاهمات الجديدة مع روسيا، بعد زيادة نشاط الشرطة العسكرية الروسية المتواجدة في منطقة منبج، في وقت حذرت فيه تركيا من دخولها والسيطرة عليها، وأبلغت أمريكا رسميا أنها مستعدة لتولي حفظ الأمن في “منبج” دون تأخير.
نقطة توافق خطيرة
وفي هذا الإطار، رأى الكاتب والمحلل السياسي توفيق شومان أنّ “اتفاقية خارطة الطريق حول منبج بين أنقرة وواشنطن لا تزال عنواناً عاماً”، مشدّداً على ضرورة الإنتظار حتى منتصف الشهر الجاري، “حيث ستشهد سوتشي قمة بين الرئيسين بوتين وأردوغان”. وأضاف شومان في حديث خاص لـ”عربي21″ أن “هناك نقطة توافق مهمة وخطيرة بين موسكو وواشنطن، وهي منع تركيا من إقامة منطقة آمنة في شمال سوريا، وهو الموقف الأميركي الذي أصبح تقليديا منذ اندلاع الأزمة السورية في 2011″.
وأشار شومان إلى أنّ الجهود الروسية ترتكز في الفترة الحالية إلى إعادة إحياء اتفاقية أضنة بين أنقرة ودمشق، معتقداً أنّ “موسكو موقفها المضمر وغير المعلن حتى الآن هو منع إقامة منطقة آمنة في شمالي سوريا مثلما يسعى الأتراك”. واستدرك قائلاً: “تبقى كيفية مناقشة اتفاقية أضنة وتطويرها أو تعديلها وفق ما يطالب به الأتراك، لأنّ هذه الاتفاقية تسمح للقوات التركية بدخول الأراضي السورية بعمق خمسة كيلومترات”.
من جانبه، فسر الباحث السياسي مالك الحافظ إعلان أنقرة عن تفاهمات مع موسكو بشأن منبج، بأنه يتعلق بمحاولة التوصل لصيغة تفاهم مشتركة حول المنطقة الآمنة في الشمال السوري، فضلاً عن مساعي تركيا في حماية اتفاق سوتشي حول إدلب.
وقال الحافظ لـ”عربي21″ إنّ “روسيا تحاول تمرير ما يتناسب مع استمرار قيادتها للملف السوري بالشكل الذي رسمته منذ تدخلها عسكريا”، مستبعداً أن تسمح موسكو بالسيطرة التركية الكاملة على محور الشمال السوري، “بل إنها ترغب بتحجيم دور أنقرة مقابل الحفاظ على وتيرة العلاقات المتصاعدة إيجابا بين البلدين”.
التوافق غير المعلن
ورجح الحافظ أن “يكون هناك توافق بين أنقرة وموسكو، كون المرحلة الحالية هي الأنسب لتطوير العلاقات وتمتينها، وفي الوقت ذاته تنفذ روسيا أجندتها وتجذب تركيا إلى خططها أكثر فأكثر”، مضيفا أن “التنسيق التركي الأمريكي كافٍ خلال الوضع الحالي، مقابل إعلان صيغة نهائية بين روسيا وتركيا“.
وبحسب الكاتب والمحلل السياسي توفيق شومان، فإنّ “التوافق غير المعلن بين أمريكا وروسيا على خارطة طريق منبج، يهدف إلى عدم تقدم القوات التركية وحلفائها باتجاه عمق المدينة”، موضحاً أنّ “هذه المواقف يعبر عنها الروس والأميركيون من مرحلة إلى أخرى”.
وأردف شومان قائلاً: “حاول الروس أكثر من مرة إرسال إشارات نحو منبج من خلال رفع العلم السوري أو إرسال قوات من حلفاء النظام بسوريا“، معربا عن اعتقاده أن “روسيا تعمل على إعادة النظام السوري إلى منبج بالاتفاق مع تركيا، والأمريكيون أيضا يعملون في هذا الإتجاه”.
إلّا أنّ الباحث السياسي مالك الحافظ رأى أنّه “في الفترة القريبة القادمة من الصعب أن يحصل تنسيق روسي أميركي مباشر، خشية من تحقيقات مولر والتي أدت بشكل أو بآخر إلى تجميد الدبلوماسية بين الطرفين”، مبيناً أنّه “جاءت تركيا لتكون صلة الوصل غير المباشرة بين الدبلوماسيتين الأمريكية والروسية خلال هذه الفترة”.
وتوقع الحافظ أن “تكون منبج قريبة من التفاهم المشترك مقابل فرض صيغة روسية على تفاهم المنطقة الآمنة، والتي تقترب من الصيغة الأميركية بإقامة منطقة عازلة تنتشر فيها قوات تفصل بين الجانب التركي ومناطق سيطرة الأكراد، وهذا ما تسعى إليه موسكو خلال الوقت الحالي بالتنسيق حتى مع دمشق”.
وتابع الحافظ: “أما عن مضمون التوافق حول منبج فأعتقد أنه سيكون مشابها لما قد يعتمد في المنطقة الآمنة مع فارق انسحاب القوات الكردية من منبج، لكسب رضى تركيا وإعطائها نجاحا دبلوماسيا موقتاً ومرحلياً، مقابل تنفيذ الرؤية الروسية بالمحصلة النهائية، وهو ما قد يتم تنفيذه في شرقي الفرات وحتى في إدلب، والأيام القادمة قد تحمل تطورات نوعية، خصوصا بعد جولة أستانا واللقاء الثلاثي للضامنين”.
وختم الكاتب والمحلل السياسي توفيق شومان بتأكيده أن “التفاهم المستقبلي بين الدول الثلاث غير موجود على الإطلاق، لكنْ هناك تفاهم عام بالعنوان العريض؛ بأن تكون منطقة منبج وريفها ومحيطها تحت سلطة مشتركة قبل أن يدخلها الجيش السوري”، بحسب تقديره.
واستدرك شومان قائلاً: “جميع الأطراف تحاول على المستوى المستقبلي أن تكون منبج تحت سيطرة الجيش السوري، وهذا خاضع لاتفاق أعمق بين الروس والأتراك أكثر منه بين الروس والأمريكيين، طالما أن واشنطن أعلنت قرب انسحابها من سوريا“، على حد قوله.
يذكر أنّ أنقرة وواشنطن توصلتا إلى اتفاق بات يعرف بـ”خارطة الطريق” حول منبج التابعة لمحافظة حلب في حزيران الماضي، ويضمن إخراج المسلحين الأكراد من المنطقة وتوفير الأمن والإستقرار فيها.
وشهد الأسبوع الماضي إجراء وفد تركي محادثات ثنائية مع مسؤولين أميركيين في العاصمة واشنطن، وتمّت مناقشة ملفات عدّة من بينها الأزمة السورية، في ظل الإصرار التركي على ضرورة الإسراع بتطبيق خارطة الطريق حول منبج، قبل انسحاب القوات الأميركية من سوريا.
عربي21