كلماته حفر وتنزيل: بري حاضر ناضر ومزيل الضجر عن الجلسات
أجمع النواب والوزراء ومتتبعو جلسات الثقة على أن الرئيس نبيه بري كان، كما في كل مرّة، نجم الجلسات، حيث كانت لمداخلاته عند المفاصل الأساسية وقعها الإيجابي، وهو الذي يعتمد بأسلوبه الخاص، حيث يمزج بين المزاح بالجّد، ولا يترك مناسبة تمر مرور الكرام من دون أن يضع لمساته فتأتي النقاط على الحروف “حفر وتنزيل”، ولا يترك شاردة وواردة إلاّ وتكون له بصمة دامغة، وهو الذي يعرف كيف يضبط إيقاع الجلسات، وبالأخص عندما تصل بعض الأمور إلى حدود “الفلتان” وتتجاوز الخطوط الحمر، عندها يتحول إلى حكم يستعمل صفارته، ولا يتوانى عن إستعمال البطاقات الصفر وحتى الحمر.
فالرئيس بري “حاضر ناضر” في كل الأوقات، بإعتراف الجميع، الـ”مع” والـ”ضد”، والأخيرون قليلون، ويقرّون بأنه ضابط إيقاع محترف، خصوصًا عندما يحتدم النقاش بين النواب، وهو الذي يعرف متى يتدخل ومتى يترك المجال مفتوحًا للنقاش، الذي لا يتركه أن يتخطى السقف المسموح به، وغالبًا ما يكون لكلمته الوقع الإيجابي، وحيث يكون لوزنها قنطارًا من الحكمة والشجاعة.
فالجلسات لا نكهة لها، خاصة عندما تدخل كلمات النواب في الرتابة وتكرار المطالب، لولا ما يمرّره من حين إلى آخر من “قفشات” وتمريرات تنمّ عن سرعة خاطر وبديهة قلّ نظيرها.
في الجلسات الخمس كانت له أكثر من بصمة، ومن بينها عندما طالب النائب ميشال معوض بالوقوف دقيقة صمت عن روح جورج زريق فردّ عليه بالقول: “ليس علينا أن نقف دقيقة صمت عن روح جورج زريق، بل على الدولة اللبنانية”.
وكذلك عندما طلب شطب كلام النائب نواف الموسوي من محضر الجلسة، مستبقًا الإعتذار الذي تقدّم به في الجلسة التالية النائب محمد رعد، وهو الذي أستدرك بذلك ردات فعل قد تخرج عن إطارها الطبيعي.
وكذلك عندما أحتدم النقاش بين النائب جميل السيد وعدد من النواب، فكان لوقع مطرقته الحدّ الفاصل، وعادت الأمور إلى طبيعتها.
ولأنه رأس السلطة التشريعية، التي تراقب وتحاسب الحكومة، وهي السلطة الوحيدة التي تمنحها الثقة وتحجبها عنها، أراد أن يخصّص جلسة كل شهر لمساءلة هذه الحكومة عمّا فعلته، في جردة حساب شهرية، بحيث تصبح الرقابة أسهل، وبحيث يشعر الوزراء، كل الوزراء، بأنهم مراقبون وسيكون لهم موعد عند نهاية كل شهر، إما لتجديد الثقة بهم أو لسحبها منهم، وذلك إستنادًا إلى ما سيقومون به من أعمال وما يحققونه من إنجازات.
وهو كان حاضرًا، وبقوة، عندما أصرّ على إنهاء جلسات المناقشة في الجلسة المسائية الأخيرة، ولم يفسح في المجال أمام النواب للإطالة، فكان له ما أراد ونالت الحكومة الثقة، لكي تنصرف بعد “الويك أند” إلى العمل، وهو شعارها.
وللدلالة على أن أعينه كانت مفتحّة “عشرة على عشرة”، وهو الذي لم يبدُ عليه التعب، على رغم مطولات بعض النواب، نُقل عنه في محصلة المناقشات أنه لم يتمكّن من معرفة من كان من النواب، الذين تكلموا، مواليًا، ومن منهم كان معارضًا، لأنهم جميعًا تكلموا بلغة واحدة، حتى أن بعض المعارضين كانوا أخف وطأة على الحكومة من ذوي القربى.
فإلى نهاية كل شهر لنا موعد ولقاء.
ليبانون 24