هذا هو ثمن التسوية الرئاسية مع عون وباسيل!
شبّه بعض الحاضرين في المؤتمر الصحافي، للرئيس فؤاد السنيورة،
المشهد المتحلّق حوله، بأيام تحالف قوى 14 آذار. فالنائب السابق لرئيس
مجلس النواب فريد مكاري قال: “حول الرئيس السنيورة، في أوّل يوم من آذار،
كان الجو يشبه 14 آذار في أوّل أيامها”. استند مكاري إلى المشهدية التي
تجمّعت في نقابة الصحافة، وضمّت ممثلين للقوات اللبنانية، الحزب التقدّمي
الإشتراكي وتيار المستقبل. وكان البعض يذهب بالتشبيه إلى أبعد من ذلك،
مستذكراً حقبة الهجوم على الرئيس رفيق الحريري في العام 2004، وما يمكن أن
يعكسه الهجوم على السنيورة في هذه المرحلة، من خلال استنهاض هذه القوى
سياسياً.
الشبه المعدوم
غلبت تمنّياتُ هؤلاء كلَ الوقائع،
فتملّكهم شعور أو وهم العودة إلى حقبة قد ولّت، بفعل التسويات الأخيرة،
التي لا يزال أصحابها يقاتلون للحفاظ عليها. يستند الواهمون الحالمون إلى
جملة معطيات تكرّر سيناريوهات وقعت في سنوات سابقة. فالهجوم على الحريري
الأب، كان قد بدأ ما قبل انتخابات العام 2000، من خلال استهداف السنيورة.
في تلك الفترة، لم يكن السنيورة نائباً ولا يتمتع بحصانة نيابية، وقد فتحت
بعض الملفات له. حينها حشد الحريري همّته لخوض الانتخابات وكان فوزه
كاسحاً. اليوم تأتي الحملة بعد الإنتخابات النيابية، والتي كان الحريري
الإبن قد تلقى خسارة فادحة فيها. خسر معها الأكثرية، والثوابت السياسية،
بدءاً من قانون الانتخاب الذي سار فيه، وصولاً إلى نوعية التحالفات وكيفية
تشكيل اللوائح. وما قبل خسارة الأكثرية النيابية، كان قد أصيب بخسارة
شعبية، بفعل التسوية (الرئاسية) المرّة التي أقدم عليها.
لذلك كله، فإن أوجه التشابه مفقودة مع الحقبة السابقة، شكلاً
ومضموناً. صحيح، كان هناك احتضان “مستقبلي” للسنيورة، لكن بدا أشبه بالقيام
بالواجب، وقد انتهى بوقته. فالحريري، غير مستعد لخوض معركة السنيورة، ولا
لفتح معركة سياسية. قبل أيام، كان لديه موقف لافت قاله في مصر، على هامش
اجتماعات مؤتمر القمة الأورومتوسطية، إذ اعتبر أن “السياسة لا تطعم خبزاً،
بل الاقتصاد هو الذي يطعم الخبز”. وقبلها كان الحريري في ذكرى 14 شباط، قد
أطلق موقفاً مشابهاً، يشير فيه إلى أن الخلافات السياسية لا تؤدي إلى أي
نتيجة، ولا مجال للعداء السياسي. هذه الإشارات وحدها كفيلة بإجهاض أي فكرة
أو محاولة، لإعادة استنهاض مرحلة سياسية، ولّت بقرار من الحريري نفسه.
الابتعاد عن الحلفاء
يعلم
جميع الحالمين بإعادة إحياء تحالف 14 آذار، أن الزمن قد ولّى. لا يمكن
الشروع بهذا النوع من التغيير السياسي الجذري، من دون الاستناد إلى قوة
أساسية يتزعمها الحريري، بما يمثّل رمزياً، وشعبياً وسياسياً. فبالمنطق
الحسابي، الحريري هو صاحب الشعبية الأكبر في هذا التحالف الموؤود، لأنه
زعيم السنّة، الذين وحدهم قادرون على إرساء التوزان مع المكونات الأخرى،
وبما أنه لا يوجد أي شخصية سنية مؤثرة، قادرة على موازنة تمثيل الحريري،
فلا يمكن التعويل على إمكانية إستيلاد تحالف 14 آذار.
الحريري في مكان آخر، ولديه حسابات مختلفة إلى أقصى الحدود، همّه استمرار التحالف مع التيار الوطني الحرّ. ففي الوقت الذي كان السنيورة يحضّر فيه لمؤتمره الصحافي، للردّ على الاتهامات التي تطاله من قبل حزب الله علناً، والتيار الوطني الحرّ ضمناً، كان الحريري يدير جلسة مجلس الوزراء في السراي الحكومي، ويتعاطى بأسلوب يوضح موقعه السياسي. في المقارنة بين جلستي الحكومة، الأولى في بعبدا برئاسة عون، والثانية في السراي برئاسة الحريري، يظهر مدى التكامل بين الرئيسين، ما يؤكد ابتعاد الحريري كلياً عن حلفائه السابقين.
الرئيسان معاً
في جلسة بعبدا، رسم عون الخطوط السياسية العريضة للحكومة، وأعلن أنه صاحب الصلاحيات، وهو من يقرر في مختلف الملفات، لأنه هو من يحدد مصلحة البلد، ويصرّ على التنسيق مع النظام السوري. ضرب يده على الطاولة ورفع الجلسة، وسط صمت مطبق من قبل الحريري. استهدف عون في تلك الجلسة بشكل مباشر وزراء القوات اللبنانية وعمل على تطويقهم سياسياً. اما في جلسة السراي، فقد تولى الحريري إدارة مجرياتها. وحسب المعطيات، فقد مرر العديد من الرسائل تجاه وزراء القوات، منتقداً نشاطهم، وبعض المؤتمرات التي نظّمتها القوات، حول ملفات عديدة، كملف الكهرباء. مؤتمرات وندوات استضافت فيه إختصاصيين، وتناولت أيضاً ملفات أخرى تتعلق بالإصلاح الإداري ومؤسسات الدولة.. فوجه الحريري كلامه إلى وزراء القوات بشكل غير مباشر، قائلاً إنه هو الذي يقرر في هذه المجالات، ولا داعي لأي طرف أن يذهب إلى التشاطر. وهذا يؤشر إلى مدى التكامل بين عون والحريري، وتوزيع الأدوار بينهما، إلى جانب تأكيدات الحريري المتتالية، بأنه لا يسمح لأحد باللعب على وتر الخلاف بينه وبين رئيس الجمهورية، أو الادعاء بأن هناك صراعاً على الصلاحيات. وهذا يؤكد أن الحريري يبدّي العلاقة مع عون على كل ما عداها.
المدن