زيارة بومبيو…التصدّي لأجندة النظام الإيراني وإحباط طموحاته الإقليمية
الزيارة المرتقبة لوزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو إلى لبنان سيتم
رصدها بدقة من قبل حلفاء وخصوم الولايات المتحدة الأميركية لبنانياً
وإقليمياً. الزيارة تندرج في إطار جولة إلى المنطقة تشمل إلى إسرائيل، كلاً
من الكويت ولبنان الدولتين اللتين لم يزرهما خلال رحلته الشرق أوسطية في
كانون الثاني الماضي، فتُشكّل في هذا الإطار استكمالاً لتلك الجولة التي
سبقت «مؤتمر وارسو» وأتت في سياق تحضير الأرضية الملائمة لتنفيذ
الاستراتيجية الأميركية حيال إيران بوصفها عنصراً مزعزعاً للسلم والأمن
والاستقرار.
أهمية الزيارة تكمن في أن لبنان سيسمع مباشرة من رأس
الدبلوماسية الأميركية سياسة واشنطن حيال المنطقة. السمة التي تمتاز بها
إدارة ترامب هي أنها لا توارب في إيصال الرسائل. فحين زار وكيل وزير
الخارجية الأميركية للشؤون السياسية دايفيد هيل بيروت أثناء جولة بومبيو
السابقة إلى المنطقة، قال كلاماً واضحاً وُصف يومها بـ «الفج»، حين تحدث عن
«تفاهم مشترك مع حلفائنا حول ضرورة التصدّي لأجندة النظام الإيراني
الثورية وإحباط طموحات إيران الإقليمية الخبيثة وأنشطتها، وهذا يشمل أيضا
لبنان، حيث يجب على الشعب اللبناني وحده، من خلال دولته فقط، أن يقرر اتخاذ
قرارات بين الحياة والموت». وذهب هيل ليؤكد أن «واشنطن ماضية قدماً في
جهودها لمواجهة الأنشطة الإيرانية الخطيرة في جميع أنحاء المنطقة، بما في
ذلك تمويل وأنشطة المنظمات الإرهابية بالوكالة مثل حزب الله. وبينما يحق
للبنان الدفاع عن نفسه – وهذا حق للدولة اللبنانية وحدها – فمن غير المقبول
وجود ميليشيا خارجة عن سيطرة الدولة، ولا تُحاسب من كل أطياف الشعب
اللبناني(…)».
وفق متابعين من واشنطن لحركة الدبلوماسية الأميركية،
فإن بومبيو سيؤكد أن بلاده ستواصل كل مساعيها من أجل تقويض الدور الإيراني
في المنطقة، وأن هذه العملية ماضية بقوة، ولن تألو جهداً في سبيل تحقيق
ذلك. سيفنّد المسؤول الأميركي دور النظام الإيراني الراهن وذراعه المتمثلة
بـ«حزب الله» منذ العام 1983 وحتى اليوم، وكيف أخذ لبنان إلى الخراب ومدى
الضرر الذي ألحقه به.
وفق مقربين من إدارة ترامب، فإنه من غير الواضح،
ما إذا كانت زيارة بومبيو ستستثني أحداً. على الأرجح أنه سيزور الرئاسات
الثلاث لأسباب بروتوكولية ومراعاة لواقع لبنان وخصوصيته. المقصود في هذا
الحديث رئيس الجمهورية، حيث يقول نافذون في لوبي أميركي من أصل لبناني أن
ثمة فتوراً يحكم العلاقة بين الأميركيين والعماد ميشال عون بشكل عام حتى
قبل أن يصبح رئيساً للجمهورية. ولا ينظر «البيت الأبيض» بأي إيجابية لدور
عون بعد توليه سدة الرئاسة، وليس من التفاتة خاصة في تعامل الخارجية
الأميركية مع باسيل، بل على العكس، اقتصرت لقاءات وزير خارجية لبنان مع
نظيره الأميركي على المؤتمرات ليس أكثر.
المسؤول الأميركي سيعيد على
مسامع اللبنانيين مجدداً ما هو مطلوب منه في إطار الخطة الأميركية لمحاصرة
تمدد إيران في دول المنطقة ولجمها. يعلم بومبيو مسبقاً بـ «اللازمة
اللبنانية» التي سيسمعها حول أن «حزب الله» جزء من النسيج اللبناني، ولذلك،
فإنه محدّثيه سيسمعون كلاماً من المسؤول الأميركي بأن ليس كل اللبنانيين
مؤيدين لـ «حزب الله»، بل هناك معارضون له يعتبرون أن دوره سلبي وأنه يضع
يده على لبنان. وإذا كان هؤلاء خائفين من مواجهته أو غير قادرين على ذلك،
فإن المجتمع الدولي سيعمل على لجم دوره وعلى معاقبته.
سيكون بومبيو
حازماً حول أن الانخراط في الحلف الإيراني على حساب الحلف العربي – الغربي
ستكون له تداعيات على لبنان. بالنسبة إلى مفهوم واشنطن، فإن المواجهة
المحتدمة مع إيران تتطلب جلاءً في الموقف من الدول المعنية، بحيث أن
المساحة الرمادية لا تجدي نفعاً. لكن الطاقم الأميركي، ولا سيما ذلك الذي
خدم في لبنان ويعرف واقعه وقيادته السياسية وخصوصيات كل منها وحساباتها
وهواجسها، يدرك أن المطلوب من لبنان هو مقاومة محاولات إلحاقه بالمحور
الإيراني.
ما ليس واضحاً في سياق «القاموس الأميركي» هو ما إذا كان
تعبير «التزام سياسة النأي بالنفس» سيتقدّم اللغة الدبلوماسية كمطلب من
لبنان، ذلك أن قضية النازحين السوريين ستكون بنداً رئيسياً على جدول البحث.
الأميركيون سيشرحون أن بقاء جزء رمزي من قواتهم شرق الفرات هدفة المحافظة
على توازن القوى بين الأتراك والأكراد، وسيتحدثون عن أن للدول العربية
مسؤولية تجاه سوريا. لكن الموقف، الذي سيُعبّر عنه بومبيو، حسب معلومات
مطلعين على التوجهات الأميركية، قوامه أن وجود الرئيس السوري الحالي بشار
الأسد يُشكّل عقبة أمام عودة النازحين إلى ديارهم، ولا سيما في ظل وجود
الميليشيات الإيرانية وأذرعها في سوريا التي تسيطر على المنطقة التي هُجّر
منها أبناؤها وأضحوا لاجئين في لبنان، وأنه لن تكون هناك أموال تقدم لسوريا
في إطار إعادة الإعمار يستفيد منها الأسد لتمكين سلطته، ما يعني – حسب رأي
هؤلاء – أن الرهانات على إمكان حل قريب لعودة جماعية للنازحين السوريين في
لبنان ليست في محلها، ولا هي متوفرة اليوم بوجود الأسد.
وسيُعرّج
بومبيو على أن الاستراتيجية الأميركية في المنطقة تتضمن طرح عملية سلام بين
الإسرائيليين والفلسطينيين بشكل متوازن مع مشروع اقتصادي وتنموي لمصلحة
الفلسطينيين، من دون الدخول في تفاصيل المبادرة التي لا تزال تخضع للتعديل
لكنها ستظهر إلى العلن كاملة في الوقت المناسب. في حسابات واشنطن أن لبنان
ليس عنصراً أساسياً في عملية السلام، بل هي تعتبر أن دوره سلبياً بفعل
تأثير إيران راهناً، وسوريا سابقاً، على لبنان الرسمي والتنظيمات الموالية
لهما.
الأكيد أن زيارة المسؤول الأميركي إلى لبنان – إذا لم تطرأ أي
مستجدات – لن تكون حدثاً عابراً. ولولا الظرف الدقيق الذي تمرّ به المنطقة
لما كانت حصلت. ما تريده واشنطن هو أن تتعامل القيادات اللبنانية بحكمة
وعقلانية مع ما يحفظ علاقات لبنان الطبيعية وموقعه العربي وخصوصية علاقاته
مع الغرب، بما يؤمن الحد الأدنى من المحافظة على الدعم الأميركي له – أي
للبنان – ولا سيما لقواته المسلحة، وعلى ما يوفره هذا الغرب من غطاء سياسي
وأمني، وما ينتظره من دعم اقتصادي في إطار مشروع «سيدر»، وغيره من
المشاريع.
لن يتحدث بومبيو بلغة التهديد. مَن يعرفه يقول إن الرجل
سيعرض خطته، وسيحدد ما هو مطلوب من لبنان وسيترك للقيّمين عليه تحمل تبعات
قراراتهم. فإذا لم تكن تنسجم مع المسار الأميركي، فإن ذلك يعني حزمة جديدة
من العقوبات لن تقتصر على «حزب الله» فقط بل على أطراف خارج إطار «الحزب»
تعتبر واشنطن أنها تلعب دوراً في تقويض خطة واشنطن حيال إيران وأذرعها.
في
الأساس، تُدرك إدارة ترامب أن ليس في لبنان راهناً قوى معارضة قادرة على
أن تُشكّل رافعة لمشروع مواجهة إيران، وخصوصاً تلك القوى السياسية التي
كانت تُدرج في خانة «حلفاء أميركا»، أو تلك القوى التي شكلت في الماضي
القريب عماد «انتفاضة الاستقلال» قبل أن تتبدّل رياح المنطقة خصوصاً في زمن
إدارة باراك أوباما التي فعلت فعلها لبنانياً وإقليمياً ودولياً!.