لهذه الأسباب يستعين جنبلاط بجيمس بار!
كم يبدو الكاتب البريطاني المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، جيمس بار محظوظاً بالرفيق وليد جنبلاط. فعدا شهرته وحضور كتبه “الصحراء تشتعل” و”خط في الرمال”(صدرا بترجمة عن منشورات الساقي) و”سادة الصحراء” (لم يترجم إلى العربية)، وكشفه مجموعة من الحقائق والأسرار السياسية “الصادمة” (سبق أن عرضنا جوانب منها)، يأتي تقديم الكتب من قبل جنبلاط كهدية، جوهرها “رسالة سياسية” (رؤيوية) على زعمنا، ليزيد من رواجها في لبنان، على الأقل اعلامياً…
وليس جيمس بار صاحب “الحظ” الأوحد في استعمالات جنبلاط، فميزة الأخير (وعلى عكس معظم سادة وساسة الجمهورية) أنه صاحب باع في القراءة واستعمال الكتب وتوظيفها في الإطار الاجتماعي والسياسي في أكثر من وجه وشكل، وفي أكثر من مكان وزمان، سواء في النزاعات المحلية أو الإقليمية أو الحوارية أو النظرة الى السجون(اهدى مئات الكتب الى سجن رومية)، وسواء في تفسير العنف أو التأمل في حراك الجماعات والهويات ومصائر الشعوب في خضم “لعبة الأمم”. ويأتي استعمال كتاب (أو كتب) جيمس بار في مرحلة، يبدو الشرق الأوسط أكثر تعقيداً والتهابا وتمزقاً وغموضاً. وكان جنبلاط واضحاً في تخوفه من مجهول جديد وخطوط جديدة، فهو أهدى كتاب “خطّ في الرمال” لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، كما أرسل نسخة من الكتاب نفسه إلى صهر الرئيس الأميركي ومستشاره، جاريد كوشنير، المتهم بأنه أحد أهم العاملين على ترتيب خطة “صفقة القرن”. وفي الكتاب الذي أهداه جنبلاط لبومبيو، كتب له قائلاً بحسب ما نقلت “المدن”: “حضرة وزير الخارجية المحترم، رُسمت خطوطٌ كثيرة في المئة سنة الأخيرة، تخللها سفك مهول للدماء. وسياسة أميركا المتحيزة لإسرائيل، ووقوفها إلى جانب إسرائيل، ستسبب اضطرابات لا تنتهي”. ويأتي هذا الإهداء، في وقت أعلن ترامب سيادة اسرائيل على الجولان السوري، وعلى وقع التصريحات الهذيانية، يقول بومبيو في مقابلة تلفزيونية إن ترامب قد يكون هدية من الرب لإنقاذ اليهود من إيران. واستشهد وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، بـ”التوراة”، للرد على اتهامات ساقها نظيره الأميركي، قائلاً، إن “الفرس هم من أنقذوا اليهود من العبودية، والإبادة الجماعية”.
وسبق أن اهدى جنبلاط كتاب “خط في الرمال” لأمين عام حزب الله حسن نصرالله، وللرئيس ميشال عون. وأن يكون جنبلاط أهدى بعض كتب جيمس بار لثلاثة أو اربعة أطراف متناقضة وحتى متصارعة، فهذا يعني أنها تحمل أكثر من رسالة إلى الداخل والخارج. عرفنا مضمون ما كتبه جنبلاط الى بومبيو، لكننا لم نعرف ما كتبه لنصرالله، وهو أهداه الكتاب العام 2014 في خضم الحرب السورية وتدخُّل حزب الله فيها. وأهدى الكتاب نفسه (مع كتاب آخر) الى عون في مرحلة الحديث عن “العقدة الدرزية” اثناء تشكيل الحكومة الحريرية، وقد سُئل جنبلاط بعد ذلك عن الهدية، فقال: “أهديت الرئيس كتاباً بعنوان Lords Of The Desert للكاتب جيمس بار الذي كتب منذ حوالى أربع سنوات وكتاباً بعنوان A Line in the Sand يحدد كيف تشكلت سايكس بيكو. الكتاب الثاني (في إشارة إلى Lords Of The Desert) يتحدث عن الخلاف البريطاني-الأميركي حول الشرق العربي.
في الكتابين، ثمة إشارة إلى الاختلاف بل التصارع الفرنسي البريطاني حول بعض التفاصيل وكيفية ترسيم حدود المنطقة، فكانت فرنسا تطالب بأن تشمل منطقة انتدابها فلسطين، على أساس حدود سوريا الكبرى، كما طالبت بضم الموصل. فيما حصل الخلاف مع البريطانيين الذين عادوا وضمّوا الموصل إلى العراق، وفلسطين خضعت لانتدابهم تمهيداً لتطبيق وعد بلفور. وبحسب “الرؤية” الجنبلاطية، إذا ما كانت اتفاقية سايكس بيكو، قد عملت على تقسيم المنطقة، سياسياً ووفق حدود النفط، فها هي “السلعة الإستراتيجية الأبدية، تتحكم اليوم في مفاصل بعض الاتفاقات والتقسيمات”. وإذا ما كان قبل مئة سنة “الصراع على تقسيم مناطق النفوذ على البقع الجغرافية النفطية، فإن اليوم التقسيم المشهود يتعلّق بتأمين طرق النفط والغاز، ومعابرهما. استناداً إلى الموانئ والمعابر”… وانطلاقاً من واقع ما جرى في العراق وسوريا، من حرب طائفية وفرز بشري وعمليات تهجير وارتباط ما يجري في دمشق وسوريا “بالمسعى الإيراني الأساسي لوصل طهران ببيروت عبر العراق ومناطق وسط سوريا، بالإضافة إلى حماية الشام بحزام بشري موالي للنظام وإيران طائفياً ومذهبياً”. وهذا أيضاً يرتبط بحسب جنبلاط بـ”تأمين خطوط النفط والغاز، ولم يكن صدفة الإعلان الروسي عن توقيع إتفاقية لإدارة مرفأ طرابلس لتخزين النفط”.
كل هذه الوقائع، دفعت جنبلاط قبل مدة، إلى مخاطبة جيمس بار بإرسال رسالة له حول كتابه “خط في الرمال”، مقترحاً على طريقته بأنه أصبح بالإمكان استبدال سايكس بيكو بمعادلة جديدة هي “معادلة لافروف – ظريف“. والرسالة التي أرسلها جنبلاط لبار ونشرها موقع “الأنباء”: “بالأمس، لبنان ممثلاً بوزير الطاقة والمياه، وقع عقداً مع شركة روزنفط الروسية لإدارة وتشغيل منشآت تخزين النفط في مصفاة طرابلس، التي بنتها شركة ipc في الثلاثينيات من القرن الفائت. بالأمس، الإنكليز والفرنسيون، واليوم الروس والإيرانيون. سايكس بيكو الجديد يجب أن يسمّى لافروف – ظريف”.
المدن