لبنان يستفز أميركا مجدداً: وزير خارجية فنزويلا في بيروت
يبدو أن الخيبات الأميركية من لبنان ومسؤوليه، لن تنحسر في
نتائج زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الأخيرة. تتراكم الخيبات
الأميركية من السياسة اللبنانية على امتداد مراحل مختلفة. قد يكون ذلك عن
قصد أميركي، طالما لا اهتمام في التفاصيل اللبنانية، واكتفاء بملفين
رئيسيين، هما المصارف والجيش.. أو عن غير قصد، وما يعنيه ذلك من عدم وجود
رؤية أميركية واضحة تجاه لبنان، هي التي تؤدي إلى مراكمة هذه الخيبات.
اللاءات الأميركية
ما
قبل إنجاز تشكيل الحكومة، حطّ في بيروت مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق
الأوسط، ديفد هيل. سبقت زيارته، عقد القمة الاقتصادية العربية في العاصمة
اللبنانية. يومها جال الديبلوماسي الأميركي على مختلف المسؤولين
اللبنانيين، رافعاً لاءات متعددة، أولها لا لترجيح كفة حزب الله في الحكومة
وتحقيقه لكل مطالبه، ولا سعي لحلّ ملف اللاجئين قبل الحلّ السياسي في
سوريا، ولا تطبيع للعلاقات اللبنانية مع النظام السوري. لكن لبنان يومها
عارض هذه اللاءات الأميركية. فمواقف رئيسي الجمهورية ووزير الخارجية في
القمة الاقتصادية كانت واضحة، إن في ضرورة تطبيع العلاقة مع النظام السوري،
والمساعي لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية، أو في المواقف المتعارضة مع
التوجيهات الأميركية حيال ملف اللاجئين. هذا، وتشكلت الحكومة على النحو
الذي يريده حزب الله، الذي نال أكثرية ساحقة فيها إلى جانب حلفائه، كما نال
وزارة الصحة.
كانت تلك أولى الإشارات اللبنانية للخروج من الكنف الأميركي، بالتزامن مع تحقيق روسيا تقدّمها اللافت في لبنان، من بوابة ملف النفط، ومبادرتها لإعادة اللاجئين، ولو أن المبادرة سرعان ما اصطدمت بمعوقات عديدة لن تسمح لها أن ترى النور، أو تجد الطريق إلى التنفيذ، من دون أي توافق مع الأميركيين. وكانت زيارة عون إلى موسكو، والبيان الصادر عن الكرملين خير دليل على فشل المبادرة الروسية.
سئل رئيس الحكومة سعد الحريري يومها عن الرد الأميركي
المتوقع، على خلفية حصول حزب الله على وزارة الصحة، فأجاب بأن الأميركيين
دائماً يطلقون المواقف. ما يعني أن لبنان لا يتوقع أي إجراءات عقابية من
قبل واشنطن، على هذه المواقف.
تحت المجهر
ما بعد زيارة
هيل وإسقاط لاءاته وشروطه، لبنانياً، حطّ مساعد نائب وزير الخارجية لشؤون
الشرق الأوسط، ديفيد ساترفيلد، في محاولة منه لإنجاز ترسيم الحدود وفق خطّ
هوف، لكن لبنان لم يتجاوب مع الشروط الأميركية أو مع المبادرة التي تعطّلت.
وفيما كان ساترفيلد يمهّد لزيارة بومبيو، لم تخلص زيارة وزير الخارجية
الأميركي إلى أي نتائج واضحة في أي من الملفات. إذ بقيت المواقف اللبنانية
على حالها في مختلف المواضيع، بما فيها ملف ترسيم الحدود، والذي لم يتوان
الأفرقاء اللبنانيون عن إعلان الانتصار على المبادرة الأميركية، والإجهاز
على مبدأ الترسيم وفق خطّ هوف.
عودة بومبيو إلى واشنطن خالي الوفاض، بلا أي إنجاز في لبنان،
دفعت مراكز القرار الأميركية إلى طرح تساؤلات حيال الوضع اللبناني. وهناك
بعض مراكز الدراسات، القريبة من دوائر القرار، تعمل على إعداد دراسات تتعلق
في كيفية التعاطي مع لبنان في المرحلة المقبلة، على خلفية خروجه عن مبدأ
التعاون مع الولايات المتحدة، وما يمكن أن يرتبط ذلك بإجراءات أميركية
تتعلق بالمساعدات المقدّمة. وتؤكد مصادر أميركية أن لبنان أصبح أكثر من أي
وقت مضى تحت المجهر الأميركي، خصوصاً في ظل إصرار إدارة الرئيس دونالد
ترامب على المضي قدماً بسياسة العقوبات على إيران وحزب الله، والتي يعتبرها
الأكثر نجاعة في الضغط على طهران، من دون تكبّد واشنطن لأي خسائر مالية أو
عسكرية.
الوزير الفنزويلي
وعليه، تلفت المصادر
الأميركية إلى أن الأشهر المقبلة ستكون أكثر صعوبة في المنطقة، خصوصاً أن
حزمة العقوبات على طهران ستشتد، وحزب الله سيتأثر أكثر، لا سيما في الأسبوع
الأول من أيار، والذي ستدخل فيه الحزمة الثانية من العقوبات على إيران
حيّز التنفيذ، والتي بموجبها سيُمنع على طهران بيع صادراتها النفطية، لأن
الاستثناء الذي منح لسبع دول سيُحجب. وهنا، يتوقّع بعض الأميركيين بأن
تستدعي هذه العقوبات ردّاً إيرانياً، فلا يمكن لطهران السكوت عن هذه
الإجراءات، التي ستؤدي إلى أزمات هائلة داخل المجتمع الإيراني، الذي يعاني
اقتصادياً. وحسب التقديرات الأميركية، فإن الردّ الإيراني قد يأتي بواسطة
حلفاء طهران في المنطقة، لا سيما في سوريا ولبنان.
هذه التقديرات تدفع الأميركيين إلى التشدد أكثر في الملف اللبناني، لجهة مراقبة أنشطة حزب الله، والإستعدادات التي قد يقدم عليها. وهي بالتأكيد ستكون مرحلة جديدة من مراحل الخروج اللبناني على الإدارة الأميركية. وهذا المسار يتجدد الآن عبر زيارة وزير خارجية فنزويلا، خورخي أريازا، المحسوب على الرئيس مادورو، فاقد الشرعية بالنسبة للأميركيين. هذه الزيارة الفنزويلية، ستمثّل استفزازاً لبنانياً جديداً لواشنطن. وقد يفوق هذا الاستفزاز كل المواقف اللبنانية الأخرى، التي يمكن التغاضي عنها أميركياً في إطار أي تفاهم أميركي روسي حول الوضع في الشرق الأوسط. لكن أن ينضم لبنان إلى محور يواجه أميركا في فنزويلا، من خلال حشد التأييد لصالح مادورو بمواجهة زعيم المعارضة خوان غوايدو، فهذا بالتأكيد لن يمرّ أميركياً، خصوصاً أن زيارة الوزير الفنزولي منسّقة من قبل موسكو وطهران والنظام السوري، وهي تأتي في إطار جولة يجريها على دول المنطقة، وسيتوجه من بيروت إلى دمشق.
منير الربيع / المدن