رجل الكونغرس الذي أنقذ المصارف اللبنانية من العقوبات
لطالما رددت جمعية المصارف في لبنان أن القطاع المصرفي
اللبناني، بالإضافة إلى مصرف لبنان، يأخذان موضوع العقوبات، والالتزام
بالقوانين وبالمعايير الدولية، بكثير من الجدّية والمسؤولية. وأن السلطات
الأميركية تقدر جهود البنوك اللبنانية، وتعتبرها نموذجاً في الالتزام
بالقوانين الأميركية، في منطقة الشرق الأوسط. إلا أن الالتزام بما يصدر عن
الولايات المتحدة، لم يكن العامل الوحيد الذي جنب القطاع المصرفي التعرض
للعقوبات. إذ تشير المعلومات الجديدة إلى تنسيق بين عضو في الحزب الجمهوري
ولوبي المصارف اللبنانية في واشنطن لتفادي الأسوأ.
جمهوري مخضرم
تنظر
الإدارة الأميركية الحالية إلى العقوبات بأنها الوسيلة الأمثل لتحقيق
الغايات السياسية، وما لا شك فيه أن فكرة استهداف لبنان، بشكل أوسع، أمرٌ
غير مستبعد. وبما أن القطاع المصرفي اللبناني يجسد العمود الفقري للاقتصاد
اللبناني المترنح، فعليه دائماً أن يكون يقظاً في الإمتثال للعقوبات
الأميركية، وتحريك اللوبي الخاص به في واشنطن.
لهذا السبب، تطرق موقع “دنفر بوست” الأميركي لتحركات جمعية مصارف لبنان في الولايات المتحدة، كاشفاً عن دور توم كورولوغوس، وهو عضو جمهوري مخضرم في الكونغرس الأميركي، خدم في عهد الرئيسين ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد، وبعد ذلك كسفير لدى بلجيكا، أثناء إدارة جورج دبليو بوش، في حماية مصارف لبنان من الغضب الأميركي.
يعمل كورولوغوس حالياً كجامع تبرعات، لإعادة انتخاب السيناتور
الأميركي عن الحزب الجمهوري كوري غاردنر، وقد ضغط بين عام 2016 وأواخر عام
2018، على الكونغرس نيابةً عن جمعية مصارف لبنان. ووفقاً لسجلات يمتلكها
الموقع، عمل كورولوغوس لتجنيب البنوك اللبنانية عواقب تشريعين، أصبحا
قانوناً في نهاية المطاف. أحدهما فرض عقوبات على حزب الله ومؤيديه؛ وآخر
سهل على ضحايا الإرهاب الأميركيين مقاضاة الحكومات الأجنبية التي تدعم
الإرهاب.
اللوبي اللبناني
في عام 2017، شاركت مجموعة من
الحزبين، الجمهوري والديموقراطي، في الكونغرس، في رعاية قانون منع تمويل
حزب الله الدولي، لتوسيع العقوبات على من يساعدون عن قصد المجموعة
اللبنانية. وكان من بين الرعاة المشاركين غاردنر، وهو ناقد صريح للحزب
ومؤيديه الماليين في إيران.
شعرت البنوك اللبنانية حينها، كما يكشف الموقع، بالقلق من معاقبتها. وعبّر الرئيس اللبناني، ميشال عون، عن قلقه من أن يتسبب مشروع القانون في “أضرار كبيرة للبنان وشعبه”. لذا، أوفدت جمعية مصارف لبنان جماعة الضغط الخاصة بها إلى الكونغرس في أيار 2017 لمعارضة مشروع قانون العقوبات.
أنفقت جمعية مصارف لبنان، حسب الموقع، أكثر من مليون دولار
على ممارسة الضغط في الولايات المتحدة في ذلك العام، وذهبت كل تلك الأموال
إلى شركة المحاماة الدولية “دي إل إيه بايبر”، حيث يعمل كورولوغوس، كمستشار
استراتيجي. وفي أواخر عام 2018، تقاضت شركة كورولوغوس “تي سي كيه
إنترناشونال”، المتخصصة بالضغط والتأثير، حوالى عشرة آلاف دولار مقابل
الضغط لصالح البنوك اللبنانية، وفقاً للسجلات.
كورولوغوس المنقذ؟
لم
تكن هذه هي المرة الأولى التي يعمل فيها كورولوغوس نيابة عن مصارف الشرق
الأوسط، في الكونغرس الأميركي. إذ تُظهر السجلات أيضاً أنه مارس ضغوطاً
لصالح البنك العربي، بين عامي 2014 و 2017. وفي إحدى المراحل في أواخر عام
2014، كُلف بمتابعة قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب، وهو التشريع الذي سمح
لأقارب الذين قتلوا في هجمات 11 سبتمبر 2001، بمقاضاة المملكة العربية
السعودية.
والمفارقة هنا تبرز بأن كورولوغوس لعب دور المنقذ، بينما يعمل حثيثاً لدعم حملة السيناتور كوري غاردنر، وهو من الصقور المناوئين لحزب الله، الذي عبر مراراً وتكراراً عن قلقه بشأن حزب الله وإيران وضرورة خنق الحزب مالياً. وقد استطاع كورولوغوس حتى الآن تجنيب القطاع المصرفي الكارثة، خصوصاً أن الكثير من الجمهوريين ومنهم غاردنر يطالبون بتشديد الخناق على الحزب، حتى ولو أضر ذلك ببنية الدولة اللبنانية.
“نفقات” المصارف
أخيراً تجدر الإشارة بأن موقع “أوبن سيكرتس” الأميركي، المتخصص بتعقب البيانات والتحليلات المالية داخل أميركا، أدرج ثلاثة بنوك لبنانية ضمن لائحة المصارف العالمية التي تدفع لشركات الضغط والتأثير في الولايات المتحدة، جاء “بنك الشرق الأوسط وأفريقيا” (MEAB Bank) في صدارتها من حيث الإنفاق بمجموع 770 ألف دولار بين عامي 2009 و 2018، يليه “بنك بيروت” بمجموع 220 ألف دولار بين عامي 2017 و 2018، مقابل 200 ألف دولار لـ”سيدروس بنك” في الفترة ذاتها. كما تظهر الأرقام التي عرضها الموقع إنفاق جمعية المصارف ما يزيد عن أربعة ملايين دولار منذ عام 2012، ذهب معظمها لشركتي “دي إل إيه بايبر” و”تي سي كيه إنترناشونال” المرتبطتين بكورولوغوس.
المدن