من يقتل ضباط النظام السوري؟
قبل يومين، نعت صفحات موالية للنظام، في “فيسبوك”، العميد حسين وجيه علوش وزوجته، من قرية حمام قنية-برمانة المشايخ في طرطوس، إثر ما وصفته بـ”حادث أليم على طريق الشام”.
فعلياً، لا تمر فترة إلا ويصاب فيها ضباط كبار من قوات النظام وأجهزته الأمنية بالسكتة القلبية، أو يقضون بحوادث سير غامضة. وغالباً ما تترافق حالات الموت هذه، بإعلان رسمي عن الوفاة، بلا تفاصيل، وبلغة تخلو معظم الأحيان من التبجيل الفائض الذي عهدته صفحات الموالاة. في كثير من الحالات باتت مفردة وفاة تحل محل الشهادة، ويُكتفى بذكر الاسم والرتبة ومكان التشييع، بالإضافة إلى صورة شخصية.
موت هؤلاء الضباط لا يتصل بالمعارك، ولا بالأعمال القتالية التي تراجعت بشكل كبير، بل هي وفيات ملتبسة تحمل الكثير من الشكوك والتساؤلات.
العميد أحمد صالح سليمان، من ريف مصياف، كان يشغل موقعاً في “إدارة الحرب الالكترونية”، وتم الإعلان عن موته بشكل درامي مبالغ فيه، إذ توفي قبل أيام، بأزمة قلبية أثناء قيامه بواجب التعزية برفيق دربه العميد الطيار شاكر درويش، الذي مات قبل يوم واحد بأزمة قلبية أيضاً. صفحات النظام الموالية لم تُحدد إن كانت وفاة العميد سليمان قد حدثت أثناء الذهاب أو الإياب أو في مجلس العزاء المقام في ريف جبلة، حيث قرية العميد الطيار درويش.
وفيما ذهبت بعض المواقع إلى وصف العميد درويش، الطيار في مطار خلخلة في ريف السويداء، بصفات بطولية مثل “النسر العملاق” و”أسد الجو” و”قاهر الإرهابيين”، مشيرة إلى تنفيذه مئات الطلعات الجوية ابتداءً من العام 2012، فإنها لم تقل أي شيء عن بطولات صديقه، الذي مات حزناً عليه.
قبل أسبوعين، تم الإعلان عن موت العميد حبيب صافيا، من قرية بشلاما في ريف القرداحة، والذي شغل سابقاً منصب رئيس فرع “الشرطة العسكرية” في حلب، وانتقل بعدها إلى الأركان في دمشق. وجاءت وفاته بحسب الإعلان عنها في “حادث سير أليم” على طريق دمشق، فيما نقلت مواقع أخرى أن الحادث وقع في اللاذقية.
وإن كان العميد صافيا قد نال شيئاً من الاهتمام بسبب مركزه، فإن وفاة العقيد علي حسن كريش، في يوم وفاة صافيا، جاءت غامضة، من دون تحديد السبب أو المكان أو المنصب. الإعلام الرسمي اكتفى بإعلان الوفاة، مرفقة بالرتبة والصورة، من دون أي تفاصيل إضافية. ورغم أن الشح في المعلومة يفتح باب التكهن على احتمالات متعددة، لكنه من وجهة نظر النظام يغلق باب الأسئلة لدى الموالين على تفاصيل لا يُراد لهم أن يخوضوا فيها، ويبقيهم في الإطار الأوسع للموت بأعمال حربية، في مكان ما من سوريا.
في آذار/مارس، نعت صفحات موالية الرائد منير المحمد، بحادث سير في ريف ديرالزور قضى فيه مع اثنين من صف الضباط. وانتشرت صورة المحمد مع العميد في “الحرس الجمهوري” عصام زهر الدين، (قُتل في العام 2018). والمحمد من قرية المرداسية في ريف جبلة، وقد خلت النعوة وجميع الأخبار الواردة من أي تفصيل إضافي.
اللواء أحمد طراف، الذي تولى منصب نائب مدير إدارة المركبات ورئيس أركانها، مات آواخر العام 2018 اثر مرض مفاجئ، بحسب تعبير المصادر الموالية، وذلك بعد سيطرة النظام على الغوطة. اللواء طراف كان قد لمع نجمه بسبب تحصنه في إدارة المركبات الموجودة في حرستا، وتم تصويره حينها كأحد أبطال النظام الذين صمدوا طويلاً أثناء حصار الإدارة، ومنعوا استيلاء المعارضة عليها عام 2017 قبل أن تنقلب الكفة لصالح النظام. وسرت شائعات بعد موته تشير إلى أن السبب الرئيسي لـ”تصفيته” من قبل النظام يعود إلى تورطه بصفقات أسلحة مع المعارضة في أوقات سابقة.
في تشرين الثاني/نوفمبر 2018، قيل إن وفاة المقدم مهند الكعدي، جراء حادث سيارة على اوتستراد السلمية-صبورة في ريف حماة. وكان الكعدي يشغل منصب قائد حامية مطار التيفور المعروف بخضوعه لسيطرة القوات الإيرانية ونفوذها المباشر.
العقيد منذر محمود أشقر، المسؤول عن مستودعات الكيماوي في “اللواء 105” التابع لـ”الحرس الجمهوري”، لقي مصرعه على طريق السفر من دمشق أثناء توجهه إلى قريته سقوبين في ريف اللاذقية. وفيما نعاه النظام بحادث سير مع زوجته رابحة عصيفوري، فان الأنباء تحدثت عن إطلاق نار استهدف سيارته أثناء مروره بالقرب من معسكر الطلائع الذي تسيطر عليه “المخابرات الجوية”، في تشرين الأول/أكتوبر 2018.
أما اللواء احمد محمود غانم، من ريف طرطوس، فقد تم الإعلان عن وفاته في آب/أغسطس 2018، وقالت صفحات الموالاة إن وفاته جاءت بنوبة قلبية ألمت به في مكتبه أثناء دوامه، متجاهلة تحديد المركز الذي يشغله، وعادة لا يمكن إهمال الصفة الوظيفية لهكذا رتب عالية. ويحدث الأمر هذا، حين يتعلق بمسميات وظيفية لا يراد الإشارة لها كإدارة الحرب الكيماوية، أو مراكز “البحوث العلمية”، ويفضل ترك الصفة الوظيفية مجهولة أو غائبة عن التحديد.
وتم الإعلان عن وفاة العميد هيثم نايف الرسول، قائد “قوات الدفاع المحلي” في حلب، بحادث سير على طريق سلمية الشيخ هلال بريف حماة، بعد فترة وجيزة من اتفاق التهجير الذي شمل قريتي كفريا والفوعة التي يتحدر منها العميد. بعد أيام قليلة أعلن عن حادث سير كبير أودى بحياة 25 عنصراً من المليشيات التي كانت تتبع للعميد الرسول، وفي المكان نفسه تقريبا.
في شباط/فبراير 2018، أعلن عن موت اللواء أحمد محمد حسينو، رئيس أركان ونائب مدير إدارة كلية الوقاية الكيماوية في قوات النظام. ولم يوضح النظام سبب الوفاة، مكتفياً بنشر صور تشييعه.
ولا يقتصر العدد على الأسماء المذكورة من الضباط، وإنما يتعداها إلى كثير من الضباط الكبار والصغار، خاصة إذا اشتملت القائمة على من ظهر موتهم على شكل حوادث اغتيال مثل اللواء عزيز اسبر، مدير “مركز البحوث العلمية” السورية. التصفيات الداخلية كانت قد طالت عددا كبيرا في صفوف الضباط الموالين منذ العام 2016 وشملت عام 2017 العديد من ضباط الأمن وقادة الأجهزة الأمنية، وعلى رأسهم اللواء رستم غزالة.
ومع استبعاد صدقية أسباب وفيات هذا العدد الكبير من الضباط بأزمات قلبية وحوادث سير، فإن رصداً بسيطاً يُظهر أساليب النظام المعتادة بالتخلص من بعض الشخصيات التي كانت لها أدوار معينة أو مراكز حساسة، خاصة في ملفي الكيماوي والتعذيب. كما أن هذا العدد الكبير من الضباط الموتى، خارج دائرة المعارك، يعود إلى تصفيات داخلية متبادلة، ضمن صراع الأجنحة والولاءات الموزعة بين النظام وإيران والروس.
ومهما تكن أسباب وفياتهم، وملابسات إخراجها إعلامياً، فإن جمهور الموالاة الصامت يُدرك حجم المأزق الذي يعيشه ويدفع ضريبته. فنهاية الحرب مع “الأعداء” لم توقف قتل أبنائهم من قبل “الأصدقاء”.
وجيه حداد / المدن