بين باسيل وجريدة الأخبار… إخبار لأمن الدولة
ذهبت قوة من جهاز “أمن الدولة”، المحسوب على سلطة رئيس الجمهورية، إلى المبنى الذي يضم مكاتب جريدة “الأخبار”، ونزعت كاميرات المراقبة (وتسجيلاتها؟) التي تبين الآتين والمغادرين تلك الصحيفة. كما أن عناصر “أمن الدولة” حاولوا الاستفسار عن مكان إقامة رئيس تحريرها ابراهيم الأمين! (وما هذا الجهاز الأمني الذي لا يعرف عنوان منزل؟)
وأتت هذه “الزيارة” الأمنية إلى الصحيفة المذكورة، تتويجاً لاستياء رئيس “التيار الوطني الحر”، وزير الخارجية جبران باسيل، من نشر الصحيفة تسريبات لمحاضر ومراسلات ديبلوماسية حساسة. وربما كان جهاز “أمن الدولة” بذهابه إلى الجريدة اللصيقة بحزب الله، يستكمل مسار تحقيقاته التي بدأها بمداهمة وزارة الخارجية نفسها واستجوابه لموظفيها ودبلوماسييها وإدارييها.
وربما عجّلت مقالة ابراهيم الأمين في صباح اليوم نفسه، وما نضحت به من تحدٍ وفضح وتوصيفات، لا يعوزها اللؤم ولا الصحة، بحق باسيل أولاً وبسعد الحريري وحكومته ثانياً.. وبجهاز أمن الدولة نفسه، الموصوف في تلك المقالة بأن “لديه ضائقة مهنية”، في تحفيز باسيل والقيمين على القوة الأمنية في هذه “المناوشة” الخفيفة والساذجة.
وإذا كنا لا نطيق فكرة أن يقترب أي جهاز أمني من أي صحيفة ومن العاملين فيها، ولا نجد أي كابح للتنديد بأي عمل ترهيبي أو قمعي أو كيدي بحق الصحافة والصحافيين، إلا أن ما “يحرجنا” هنا أن المتمثل دور الصحافي ودور الضحية، ابراهيم الأمين نفسه. فربيب الأجهزة الأمنية، المدلل عند الاستخبارات السورية، والصديق الصدوق للنظام الأمني اللبناني – السوري المشترك في زمن عار الوصاية السورية، وصاحب ضباط من طينة محمد ناصيف وعلي مملوك، ولصيق جميل السيد في أيام سطوته و”عزه”، قد يكون صاحب دور في الصحافة، لكن من الصعب أن يكون “زميلاً”، بالمعنى الأخلاقي للكلمة. فهو ينتمي إلى صنف “غوبلزي” يحترف الدعاية والإعلام ضمن جهاز حربي وفاشي النزعة والأهداف.
والأمين، “المطارد” اليوم من جهاز أمني لا يتمتع بالإحتراف (حسب وصفه)، هو أصلاً ابن أجهزة أمنية غير شرعية ومخابرات غير لبنانية، والقريب المقرب من خلايا متهمة بالاغتيالات والتفجيرات، وهو الذي لم ينكر يوماً أدواره هذه وتفاخر بها وبتلك “الصداقات”.
وهذا الرجل الذي يرأس صحيفة، كتب بنفسه مقالات محفوظة بعض أسطرها في ذاكرة معظم الزملاء اللبنانيين، دعا فيها إلى قتلهم وهددهم بالاغتيال، وتوعد بالدخول إلى غرف نومهم والبطش بهم وبعائلاتهم. فالصحافيون عند ابراهيم الأمين الذين لا يوالون نظام الأسد ولا عماد مغنية، هم “خونة” يجب قطع أعناقهم وألسنتهم ومحاكمتهم كجواسيس وخونة وعملاء.
وتلك هي “حراجتنا”، في وضوح معارضتنا وتنديدنا بالأساليب البوليسية لبعض السلطة، بل وفي معارضتنا لسياسات باسيل وسلوكياته تحديداً، وفي كامل تضامننا مع “الأخبار” كصحيفة ومع محرريها من دون أي تحفظ.. وفي الوقت نفسه، نستصعب ذاك التضامن مع الأمين، البارع في ترهيب الصحف والصحافيين على مدى 13 عاماً، أكثر بكثير من الأجهزة الأمنية اللبنانية، والضالع في صناعة خطاب الكراهية والتحريض والحض على العنف والقتل والقمع.
أن يتلبس هذا الرجل دور المدافع عن حرية التعبير وحرية الصحافة، كتلبس جبران باسيل دور محاربة الفساد. وهذا ما يجعل المشهد كله ركيكاً وباعثاً على “الاستنكار”.
المدن