باسيل يحكم قبضته على الشمال المسيحي!
“لقد ورثتُ الأحزاب المسيحية التقليدية، وسأستفيد من
أخطائها”. بهذه العبارات خاطب رئيس التيار العوني، الوزير جبران باسيل،
كتائبيين في البترون اجتمعوا لتكريم أحدهم، بحضور النائب الحالي نديم
الجميل، والنائب السابق سامر سعاده، من دون أن يحرك كلام باسيل في النائبين
مكامن اعتراض.. واستمرا في حضور عشاء الكتائبيين.
زغرتا والكتائب
وإذا
كان هذا دأب باسيل بالاستفزاز، فهو استكمله لاحقاً، في جولته البترونية،
حين أقام التيار قداساً تعامل فيه مع راعي الأبرشية المطران منير خيرالله،
على أنه ضيف مدعو لترؤوس القداس الإلهي، وليس شريكاً في الدعوة، وأسمع
أنصار الوزير باسيل ممثل المطران المونسنيور بطرس خليل، كلاماً تخطى حدود
العتب، وصولاً إلى إبلاغه صراحة: “حين يكون الوزير باسيل موجوداً لا صوت
يعلو فوق صوته”.
هذا في البترون، مسقط رأس الوزير باسيل، أما في سائر الأقضية الشمالية، فإن الوزير باسيل استفاد حتماً من أخطاء الأحزاب المسيحية التقليدية، التي استطاعت أن تحدث خروقات طفيفة في بنى قضاء زغرتا الاجتماعية والعائلية، ودفعت ثمنها الكثير من دماء المحازبين.
في زغرتا، ذات يوم حمل جمهور المحتشدين لاستقبال رئيس حزب الكتائب يومها الشيخ بيار الجميل، داخل سيارته، ترحيبا وحفاوة، الأمر الذي أثار حفيظة الزعيم الزغرتاوي سليمان فرنجية، فبدأ العمل على “استئصال الكتائبيين من زغرتا”، وأعاد الاعتبار للتوازن العائلي في البلدة والقضاء، وخرج حزب الكتائب ترهيباً وترغيباً من قضاء زغرتا، ولاحقاً تم اقتطاع الشمال المسيحي، ووضعه بإدارة تيار المردة، من وسط البترون إلى وسط الكورة وقضاء زغرتا، وعزل قضاء بشري عن عمقه المسيحي والماروني.
وفي معزل عن الأسباب، استمرت سيطرة تيار المردة على الأقضية
الثلاثة، حتى انسحاب الجيش السوري من لبنان، فكانت التعيينات الإدارية
والأمنية، وحتى النواب والوزراء، تتم وفق رغبة الرئيس سليمان فرنجية ومن
بعده حفيده الوزير والنائب سليمان فرنجية، ما أمن استمرار السيطرة، من خلال
شبكة الخدمات التي كانت تؤمن للمواطنين.
ظهور العونيين
لم
تستطع الأحزاب المسيحية إحداث أي خرق يذكر في بنية زغرتا العائلية. فبقي
ائتلاف العائلات في الاتفاق والاختلاف، يحكم السياسة والعلاقات في القضاء
مع الجوار، علماً أن الحضور الكتائبي، الذي حمل الشيخ بيار بسيارته ذات
يوم، قد ضمر إلى حد التلاشي. وحين دغدغت تصريحات العماد عون بعض
الزغرتاويين، مستفيدين من تأييد المرحوم روبير فرنجية للعماد عون، إلا أن
حجم العونيين في زغرتا بقي قاصراً عن إحداث فرق يذكر، واستظل أنصار عون في
زغرتا بعائلاتهم للتعبير عن آرائهم السياسية، المناهضة للجيش السوري.
مع بروز نجم الوزير باسيل، وضع نصب عينيه التمدد في الأقضية
المسيحية، وتفكيك البنى العائلية في زغرتا، مدركاً أن أفضل آلية للتفكيك
ليست في استفزاز العائلات، فتجتمع من جديد، بل العمل على استمالة إحداها،
فيجد موطىء قدم له ومن خلفه لتياره، داخل زغرتا والعمل على سحب البساط
تدريجيا من تحت أقدام الوزير سليمان فرنجية، داخل زغرتا والقضاء، بعد أن
كان سحبه من المردة في البترون. فالبترون الادراية تدين بالولاء اليوم
للوزير باسيل، وتحالفه مع النائب ميشال معوض في زغرتا، يعطي معوض أفضلية
على الوزير فرنجية في التعيينات الإدارية. ما يعني عملياً الحد من تأثير
المردة تمهيداً للحد من نفوذهم داخل القضاء.
الدخول إلى زغرتا وبشري
ضمن
جولاته الميدانية، زار الوزير باسيل زغرتا، وجال في شوارعها يرافقه حليفه
المستجد، النائب ميشال معوض، الذي لطالما، حمّل التيار العوني مسؤولية
اغتيال والده الرئيس الشهيد رينيه معوض، لأنه رفض تسليمه مقاليد الحكم.
معوض الذي كان في صلب قوى 14 آذار، لم يجد حرجا في التعاطي بـ”واقعية” مع المستجد السياسي لجنوح ما كان يعرف بـ”قوى 14 آذار” للتسوية مع التيار العوني، وانتخاب الجنرال عون رئيساً للجمهورية، فأوجد لنفسه مكاناً في التسوية على طريقته.
في بشري، الوضع يختلف قليلاً، وكانت الزيارة الأخيرة إلى القضاء، محاولة من الوزير باسبل، لإحداث خرق في بنية القضاء، التي استطاع حزب القوات اللبنانية أن يقصي “العائلية” عن الواجهة السياسية، وينجح في انتخاب النائب جوزف اسحق، من خارج مدينة بشري، لأول مرة في تاريخ القضاء، على حساب ائتلاف العائلات وتنافسها الانتخابي التقليدي.
بوابة بشري لا تقل صعوبة عن بوابة زغرتا، ولكن بالنسبة للوزير باسيل، كل شيء ضده من جنسه، فكان رجل الأعمال وليم طوق، نجل النائب السابق جبران طوق، البوابة التي سيدخل منها إلى بشري، علماً أن وليم ترشح للانتخابات النيابية الأخيرة متحالفاً مع تيار المردة.
وليم طوق استطاع الفوز بثقة قرابة 4600 ناخب بشراوي، وهو ابن بيت سياسي تقليدي، له حضوره في المدينة والقضاء، وتالياً هو ليس مفتعلاً أو هامشياً أو طارئاً على القضاء. وبالطبع، سيستفيد وليم طوق، من جنة التعيينات والمنافع السلطوية بما يعزز مكانته، وتحالفه مع الوزير باسيل ومع التيار من خلفه.
ثلاثة أقضية
الوزير باسيل، لا يهدأ. ويحسب لكل تفصيل حساب. فهو لم يرث زعامة يستكين فيها إلى نواة الأنصار التقليديين والمحازبين. هو في بداية طريقه، وطموحه الجامح جعله يستفيد فعلاً من أخطاء الأحزاب التقليدية. ففي زغرتا حليفه النائب ميشال معوض، هو لضرب تركيبة العائلات وإيصال نائب عوني لاحقاً عن القضاء. في بشري حليفه وليم طوق، هو لإعادة الاعتبار لبيت سياسي بشراوي، وضرب حزب القوات داخل عقر داره. أما في البترون، فقد نجح باسيل عبر قانون الانتخابات في إقصاء النائب بطرس حرب، وهو يعمل جاهدا على توسيع شبكة الخدمات والتعيينات في سائر قرى القضاء، بما يعطيه أرجحية نيابية لاحقاً، تكرس سيطرته عن القضاء، ليضيف على شرعية رئاسته للتيار العوني شرعية نيابية، افتقدها خلال دورتين انتخابيتين نيابيتين.
جليل الهاشم / المدن