الحريري يواجه باسيل و”يستعيد” رئاسة الحكومة
على
عادتهم ينتظر اللبنانيون حدثاً جديداً يطرأ ليشيحوا أنظارهم عن مشكلاتهم
الكثيرة. يتبعون هذا الأسلوب كقاعدة عمل لبنانية عامة جاهزة حيثما تدعو
الحاجة.
تزاحم القضايا الخانق
ولطالما تعوّد اللبنانيون
تغييب قضايا تضغط عليهم راهنيتها بقوة، بسبب يروز قضايا أخرى مفاجئة،
فيعيشون حتى الاختناق تزاحم المشكلات والمآزق وتراكمها.
المنطق
نفسه دفع اللبنانيين إلى استخدام ملفات للتصويب على أهداف أخرى، تماماً
كما كان حالهم مرّة مع تجربة شهود الزور التي أُسقط التذرع بها حكومة
الرئيس سعد الحريري. وبعد عمل حزب الله على تشكيل الحكومة الجديدة التي
أرادها آنذاك، توقف إتيانه على ذكر مثل ذاك الملف.
حادثة قبرشمون مثالاً
ثمة
ما يتكرر حالياً في قضية حادثة قبرشمون وإحالتها إلى المجلس العدلي. إصرار
بعض الأطراف على هذه المسألة هدفه تعويم أنفسهم سياسياً. هم يعلمون أن
القضايا التي ينظر فيها المجلس العدلي لا تنتهي قبل سنوات في الحد الأدنى.
وهذا يعني أن غايتهم من إحالة القضية إليه، سياسية: يضعون الحادثة الأمنية
الأهلية في خانة “الإستهداف” أو محاولة الإغتيال، لكسب أوراق سياسية تجعلهم
يفاوضون ويفرضون شروطهم السياسية، وفي التعيينات الإدارية المرتقبة.
الحريري يواجه الاستقواء
يندرج
الإصرار على المجلس العدلي في خانة تصفية الحسابات السياسية. وهذا ما أصبح
واضحاً للرئيس الحكومة سعد الحريري الذي عبّر أمام بعض من التقاهم عن أنه
لن يسمح لحكومته بأن تكون حكومة تصفية حساب مع وليد جنبلاط. بل هو عبّر عن
انزعاجه واستيائه من الواقع الذي وصلت إليه الأمور، فيما هو لا يتوانى عن
تقديم التنازلات لتسيير الأمور وتسهيل عمل الحكومة، على قاعدة عدم استقواء
أي طرف على طرف آخر. لكنه في المقابل يُواجَه بتعنّت بعض القوى التي تريد
الاستحواذ على كل شيء. هذا ما دفع الحريري إلى اتخاذ موقف واضح وثابت،
مرّره عبر أكثر من قناة: أنا المخول وضع جدول أعمال مجلس الوزراء. وهذا
ردّاً منه على الشروط التي يرفعها “التيار الوطني الحرّ” والنائب طلال
إرسلان.
من
الواضح أن الحريري غير مستعد للتنازل مجدداً، إذ يبدو هذه المرة متشدداً
في الكثير من التفاصيل التي يريد التيار الوطني الحرّ تسجيلها لصالحه أو
انتزاعها بحكم التسوية.
الإقلاع عن التنازل!
استفاد
الحريري من جملة ظروف دفعته إلى التشدّد في موقفه هذا: أولاً، هو يعرف أن
رئيس الجمهورية يريد للحكومة أن تجتمع وتنتج، خاصة أنها بصدد إقرار
الموازنة سريعاً. ويريد الرئيس عون أيضاً الحفاظ على عهده. ثانياً، حزب
الله يريد بدوره الحفاظ على الوضع القائم، وعدم إثارة أي توتر سياسي في
الظروف الراهنة. ثالثاً، التقاء الرئيس نبيه بري ووليد جنبلاط وسمير جعجع
وسليمان فرنجية على موقف واحد من شأنه أن يعزز وضعيته (الحريري) ليفرض
شروطه. ومن المواقف التي برزت أخيراً استشف أنه قادر على عدم التنازل الذي
سيقدم عليه الآخرون هذه المرة. وهذا بدا واضحاً في تحرك الرئيس نبيه بري
الذي أوحي بأن حزب الله لا يريد كل هذا التصعيد.
تأرجح حزب الله
هنا
يختلف التقييم حول حقيقة موقف حزب الله: في البداية كان واضحاً موقفه الذي
أطلقه الوزير محمود قماطي متهجماً بشدة من دارة خلدة على جنبلاط. فاعتبر
البعض أن الحزب هو الذي يدفع حلفاءه إلى الإصرار على المجلس العدلي. لكنه
سرعان ما تراجع بعد تقييمه الجدّي لحقيقة الوضع، خاصة عندما استقرأ بدقة
المزاج الدرزي الذي التف حول جنبلاط، وتبيّن أن الذهاب بعيداً في إثارة
المشكلة هدفه الإستثمار السياسي. وهذا أمر دقيق للغاية درزياً.
مظلّة جنبلاط السياسية
جنبلاط
من جهته نجح في تشكيل مظلّة سياسية توفر التوازن في هذه المرحلة. وعلى هذا
الأساس أطلق إشارات مختلفة: رفع الغطاء، وسلّم المطلوبين، وأراد ترك الأمر
للتحقيق. لكنه في المقابل لم يتراجع أو يتهاون أمام محاولات الآخرين تصفية
حساباتهم السياسية ضده، ولا سلّم بشروطهم، على قاعدة أن المكاسرة لن تنفع
معه. وهذا لا يتنافى مع إبدائه إشارات إيجابية لتعاونه مع التحقيقات
القضائية التي من المفترض أن تقرر إحالة الملف إلى المجلس العدلي من عدمه.
على أن يحصل ذلك بالتوافق لا بالإكراه.
هذا
الوضع ساهم الرئيس سعد الحريري في تثبيته، خاصة بعدم تراجعه وتشدده حيال
محاولات التيار الوطني الحرّ تقرير كل التفاصيل، وصولاً إلى ومشاركتة في
وضع جدول أعمال مجلس الوزراء.
الحريري يواجه باسيل
في هذا
السياق حصل الاجتماع بين الحريري والوزير جبران باسيل. تؤكد المعلومات أن
الاجتماع لم يكن إيجابياً: لم يقتنع الحريري بما يريده باسيل الذي أراد فرض
إحالة الحادثة إلى المجلس العدلي. ولا اقتنع أيضًا باشتراك باسيل في وضع
جدول أعمال مجلس الوزراء أو الاطلاع عليه مسبقاً للموافقة على بنوده. لكن
الحريري أبدى حرصه على علاقة متوازنة مع باسيل. جرى في اللقاء أيضاً بحث في
بعض التعيينات، ليكتشف الحريري أن باسيل يريد أن يمدّ يده إلى حصص غيره،
خاصة من المسلمين، وفي مواقع صغيرة في الدولة كموظفين من الفئة الثالثة
والرابعة، راغباً استبدال بعض المسلمين بموظفين مسيحيين. وهذا ما رفضه رئيس
الحكومة رفضاً مطلقاً.
بعد هذا الإجتماع بقي الحريري على موقفه. وقد
تلقى رسالة دعم من رؤساء الحكومات السابقين، الذين شدوا على يده وقدموا له
كل الدعم المعنوي، لان الأمور لم تعد تحتمل الإستمرار بنهج التنازلات. ومن
المتوقع أن يعقد رؤساء الحكومة السابقين أكثر من إجتماع في الفترة المقبلة،
ويتوجهون إلى إصدار بيانات واضحة المضمون واللهجة.
وتؤكد المصادر أن هناك اتفاقاً في وجهات النظر على عدم إمكان استمرار الوضع على حاله السابقة. وعليه يفترض أن يدعو الحريري في الأيام المقبلة إلى جلسة لمجلس الوزراء، من دون إدراج ملف قبرشمون على جدول أعمالها، على قاعدة أنه هو الذي يحدد جدول الأعمال.
أوراق قوة جديدة
تشدد الحريري قد يقابله تراجع بعض القوى، باستثناء باسيل الذي يعتبر أن رئيس الحكومة دخل معه في اتفاق أبعد من كل هذه التفاصيل، ولا يمكنه التراجع. لذا سيحاول باسيل فرض شروطه على الحريري الذي لا يبدو أنه في هذا الوارد. وهناك الكثير من الأوراق التي يمتلكها الحريري ويمكنه استخدامها، ولن تكون آخرها العقوبات الأميركية الجديدة التي فرضت على نواب في حزب الله، والتي سيحاول من خلالها تحسين شروطه.
المدن