ساعة الحقيقة دقّت… وفترة سماح لارسلان
الراي
يشكّل الأسبوعُ الطالعُ في لبنان اختباراً فعلياً للخلفيات التي تقف وراء المأزق السياسي الذي «يقبض» على البلاد منذ 3 أسابيع، وذلك انطلاقاً من الاتجاهات التي ستسلكها مَساعي الإفراج عن الحكومة العالقة في «شِباك» حادثة الجبل (30 يونيو) التي تَشابكتْ أبعادُها بين السياسي والقضائي والأمني.
فبعد إقرار مجلس النواب الجمعة، موازنة «لم يكن في الإمكان أفضل مما كان» (لسنة 2019) في أعقاب 4 أيام من «العَراضات الكلامية»، انتقلتْ «العدساتُ» سريعاً إلى مآل الواقع الحكومي الذي يُعتبر «إنقاذُه» ضرورياً لإكمال «الرسالة الإيجابية» التي أريد توجيهُها للدول المانحة في مؤتمر «سيدر» من خلال الالتزام بـ«المواصفات الدولية» لموازنةٍ بأرقام عجزٍ الى الناتج المحلي (نحو 7.5 في المئة) سيعلنها وزير المال غداً ويتم التعاطي معها على أنها أطلقتْ المسار التصحيحي لمنْع انزلاق البلاد إلى الانهيار.
وتعتبر أوساطٌ واسعة الاطلاع في بيروت، أن «ساعة الحقيقة» دقّت في ما خص حادثة البساتين، فإما يشكّل التوازن السلبي الذي حَكَم مطلب إحالة الملف على المجلس العدلي (يطالب به النائب طلال ارسلان مدعوماً من «التيار الوطني الحر» و«حزب الله») مدْخلاً للسير بالتسوية التي يُعمل عليها، وإما يكون «وراء الأكمة ما وراءها» من خفايا سياسية «عميقة» وذات أبعاد إقليمية تتحكّم بهذه القضية بما يترك علامات استفهام كبرى حول مستقبل الوضع ومآل التوازنات فيه بامتداداتها الخارجية.
وفي رأي هذه الأوساط أنّ المعطيات المتقاطعة تؤشر إلى أن لا أحد في الداخل اللبناني في وارد الإطاحة بـ«الستاتيكو» الراهن وتسديد ضربة لقواعد اللعبة أو شلّ الحكومة وإضاعة فرصة «التقاط الأنفاس» مالياً واقتصادياً أو إعطاءِ صورةِ «الدولة الفاشلة» للمجتمع الدولي الذي «يعاين» عن كثب الواقع اللبناني، متوقّفة في هذا الإطار عند المعطيات الآتية:
- أن «حزب الله»، الذي كان أمينه العام السيد حسن نصرالله أكد أخيراً الحرص على الاستقرار في لبنان وعدم تعطيل الحكومة والتمسّك بالرئيس سعد الحريري على رأسها، يرى مصلحةً في الاستمرار بـ«الاحتماء» بالتسوية السياسية القائمة (منذ 2016) في غمرةِ اشتدادِ التضييقِ الأميركي عليه لـ«خنْقه» مالياً وسياسياً.
وتلاحظ الأوساطُ، أنه بعد أول استهدافٍ أميركي لـ«الذراع النيابية» لـ«حزب الله» بالعقوباتِ في سياق «إنذارٍ» للدولة من مَخاطر التماهي بين الحزب والمؤسسات الدستورية، عَمَدَ «حزب الله» الى سابقةٍ في تاريخ عمله السياسي تمثّلتْ في تصويته لمصلحة الموازنة في البرلمان مع تظهيرِ دورٍ فاعل له في خلاصاتها، مع ما انطوى عليه الأمر من رسائل ضمنية حول كونه «شريكاً مقرِّراً» في الحُكم ومؤسساته.
وفي السياق نفسه، ترى أن تفعيلَ عملِ الحكومة لتكون جاهزةً لتلقُّف بدء تنفيذ مؤتمر «سيدر» وتسييل مخصصاته (نحو 11 مليار دولار)، يشكّل بعد الـ«نعم» لـ«موازنة سيدر»، مصلحةً لـ«حزب الله» لجهة تعزيز «دفاعاتِه» والالتصاق أكثر بـ«الدولة» والإفادة ضمناً من المظّلة الدولية للبنان لمنْع محاولة واشنطن فرْض العزلة عليه. - أن مَلامح «الاستهداف السياسي» للحريري التي رافقتْ الجلسةَ الأخيرة من «رباعية الموازنة» عبر ما اعتبره «اقتصاصاً» من مؤسسات تابعة لرئاسة الحكومة أو «محسوبة» عليه كمجلس الإنماء والاعمار والهيئة العليا للإغاثة وهيئة «اوجيرو»، عادتْ وفُرْمِلتْ عبر «ضابط الايقاع» رئيس البرلمان نبيه بري فـ«استردّ» الحريري بعض المخصصات لتلك المؤسسات، بما اعتُبر مؤشراً إلى عدم وجود قرارٍ بما هو أبعد من «توجيه رسالة» له كان شريكاً فيها (الى حزب الله) «التيار الوطني الحر»، حزب الرئيس ميشال عون الذي لا مصلحة له في تعميق أزمة الثقة مع الحريري الذي بدا مستاءً جداً من التعاطي معه، ومن السلوك الذي حدا بالرئيس السابق للحكومة نجيب ميقاتي الى مغادرة الجلسة تحت عنوان «طفح الكيل» بإزاء «الاستهداف الموصوف لمؤسساتٍ دون سواها».
ومن هنا، ثمة مؤشراتٌ إلى أن الساعات المقبلة ستشْهد تركيزاً على استئناف جلسات الحكومة وتحقيق اختراقٍ في ملف «حادثة البساتين» بدفْع من «حزب الله» وذلك على قاعدة المَخْرج الذي اقترحه فريق عون ويحظى بتأييدٍ من بري والحريري ورئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط (اشتبك مناصِرون له مع مرافقي الوزير صالح الغريب الذين سقط اثنان منهما) ويقوم على ضرورة تسليم الطرفيْن (جنبلاط وإرسلان) المطلوبين إلى التحقيق وإحالة القضية على المحكمة العسكرية وليس على المجلس العدلي.
وعلمتْ «الراي» من مصادر بارزة في قوى 8 آذار، أن ارسلان تبلّغ بضرورة السير بالمَخْرَجِ الذي اقترحه عون وبالنيابة عن «التيار الحر» و«حزب الله»، وهو أُعطيَ فترةَ سماحٍ لبعض الوقت لإيجاد الإخراج الملائم لتَراجُعِه، وسط تقارير تحدّثتْ عن أن وفداً من الحزب سيزور ارسلان للبحث الجدي في المَخارج المُمْكِنة.
وكان الحريري تطرق بعد جلسة إقرار الموازنة التي واكبتْها احتجاجاتٌ صاخبة من «قدامى العسكريين» على بنود طالتْ رواتبهم التقاعدية، إلى مسألة التشكيك بعقد جلسة للحكومة، متوقعاً «الوصول إلى حل لمشكلة الجبل»، داعياً إلى الانطلاق بشكل إيجابي.