دوامة المجلس العدلي وجلسة الحكومة: هل تنتهي ببازار ارسلاني؟
وصلت القوى السياسية المختلفة إلى قناعة، مفادها عدم إمكان
إحالة ملف حادثة قبرشمون إلى المجلس العدلي. وهذا ما دفع الرئيس سعد
الحريري إلى التعبير عن انزعاجه من التعطيل المستمر والمتعمّد لعمل
الحكومة.
حلول الحريري وتصلّبه
كان الحريري قد ترك مجالاً
للاتصالات، علّها تصل إلى حلول وسط تؤدي إلى التئام مجلس الوزراء، من دون
طرح ملف المجلس العدلي على جدول أعمالها، ومن دون طرحه حتى من خارج جدول
الأعمال. في البداية كان السؤال المطروح: أين تُعقد الجلسة التي يدعو إليها
الحريري، أفي قصر بعبدا أم في السرايا الحكومية؟ هو كان يفضّل الوصول إلى
توافق يجنّب حكومته أي تفجير أو خلاف، كما رفض طرح إحالة ملف القضية على
التصويت، لأنه يؤدي إلى انقسام عامودي في الحكومة، قد يدفع إلى تعطيل
جلساتها إلى أمد طويل.
وجد الحريري نفسه وكأن ثمة حصاراً يفرض عليه، عبر اشتراطهم عليه وضع جدول الأعمال، ما دفعه إلى القول إن وضع جدول أعمال جلسات مجلس الوزراء من صلاحياته، ولن يرضى بأن يفرض عليه أي طرف أي شرط، على الرغم من تمسكه بالتوافق. وعندما عُرض عليه عقد جلسة حكومية من دون تضمين جدول أعمالها بند الإحالة على المجلس العدلي، في مقابل طرحه على التصويت من خارج السياق، أعلن أنه يخرج إذّاك من الجلسة، لأنه لن يسمح بذلك.
التصويت وفق قناعة الحريري وغيره من القوى السياسية، أمر غير
قابل للنقاش، في حال إقرار إحالة القضية إلى العدلي، وفي حال عدم إقرارها.
فالحريري لا يريد لأي طرف أن ينكسر. وهو كغيره يعلم أن نتيجة التصويت
محسومة حتى الآن، وهي 15 مع الإحالة و15 ضدها، ما يعني إسقاطها الذي يمثل
ضربة معنوية لرئيس الجمهورية. وحتى لو حصلت متغيرات في التصويت، وأُقرّت
الإحالة، فالحريري لن يرضى بكسر وليد جنبلاط. وقرار كهذا لن يكون من السهل
تمريره، خصوصاً أنه يلقى ردّ فعل عنيف من الاشتراكي.
دوامة ومكائد
الحفاظ
على الحكومة هو ما يريده الحريري، ويلتقي عليه مع عون وحزب الله والقوى
السياسية المختلفة، في الدرجة الأولى. وفيما عون وحزب الله يؤيدان المجلس
العدلي، فإن الاستقرار والهدوء والحفاظ على الحكومة يمثّل لدى القوى كلها
أولوية تتقدم على كل المواقف الأخرى. حزب الله لا يريد كسر حليفه (أرسلان)
ولا التخلي عنه، لكنه يعلم أنه غير قادر على أن يحقق له ما يريد. وعون كان
متمسكاً إلى أبعد الحدود بخيار المجلس العدلي، ظناً منه مع أرسلان أن
اللحظة سانحة لضرب وليد جنبلاط ضربة قاضية، باعتبار أنه في أضعف لحظاته
السياسية، ولا بد من تطويقه نهائياً. وهذا لا يوافق عليه الحزب ولا
الحريري. فهما يعلمان أن جنبلاط لا يفقد أوراقه، وردّه سيكون جاهزاً
بالتأكيد، ولن يقدر أحد على استشراف تبعاته، والوضع في البلد والضغوط
الخارجية لا تسمح بمغامرة كهذه تطيح الاستقرار، بعدما نجح جنبلاط في إعادة
الفرز السياسي في البلد، ورصّ صفوف حلفائه خلفه.
هنا أيضاً بدأت تتكون قناعة بأن منطق الكسر لن يؤدي إلى
النتائج المرجوة. ورئيس الجمهورية الذي لا يريد التخلي عن حليفه طلال
ارسلان، حريص أيضاً على عهده وعلى الحكومة. هذا ما دفع الحريري إلى القول
إنه يريد الدعوة إلى جلسة لمجلس الوزراء، وسيبلغ رئيس الجمهورية بأنه لن
يسير بخيار المجلس العدلي، ولا بد من إيجاد المخرج. لاقى الرئيس نبيه بري
الحريري، فاستغرب تعطيل الجلسات وعدم دعوة الحكومة إلى الانعقاد. وهذا دفع
ارسلان إلى زيارة عين التينة، متمسكاً بموقفه. لكن بري كان واضحاً: إبعاد
الحكومة عن هذا التجاذب، وضرورة انعقادها، وعدم أخذها رهينة لهذا الملف،
على أن تتم معالجته جانباً.
جنبلاط يصعّد
موقف ارسلان
المتمسك بمطالبه، واجهه جنبلاط بشدة جديدة، فاعتبر أن ما جرى في قبرشمون هو
نتيجة لما حصل سابقاً من استفزازت وعراضات عسكرية. وذكّر بحادثة الشويفات
مطالباً بدمج الملفين، لتنظر الجهات المختصة في ما إذا كان من داعٍ
لإحالتهما معاً إلى المجلس العدلي. موقف جنبلاط هذا، يعني أن الرجل لجأ إلى
لهجة تصعيدية، إذ كان سابقاً يوافق على الفصل بين الملفين. ولكن بعد
الهجوم الذي تعرض له، وجد أن أنسب طريقة للدفاع هي الهجوم.
هل يبادر الحريري؟
ووسط
دوران القضية في حلقة مفرغة، بقي الحريري على إصراره: الدعوة إلى عقد جلسة
حكومية، وقد يوجهها الأسبوع المقبل، حتى وإن لم يحضرها الطرف الآخر. لكنه
في هذا يكون قد رمى الكرة إلى ملعبهم، وليتحملوا مسؤولية التعطيل.
لكن مصادر أخرى تعتبر هذا الكلام للإعلام فقط. والدعوة المزمعة ستكون صورية، خصوصاً أن الحريري يخشى حضور الجميع وفرض التصويت. وقد يحصل أي خطأ في الحسابات أو أي تغير ضاغط يدفعان وزراء أمل إلى الامتناع عن التصويت، لتصبح النتيجة 15 مقابل 12، وامتناع 3 عن التصويت، الأمر الذي يدخل المسألة في نقاش لا ينتهي حول إقرار الإحالة أو عدم إحالتها. وقد يحصل أمر ما غير محسوب يسمح بتمرير قرار الإحالة، فتدخل البلاد منعطفاً خطيراً.
مطالب ارسلان ومساوماته
في مقابل البحث عن مخرج يرضي القوى المختلفة، تتحدث بعض المعلومات عن أن إرسلان قد يستعد لفتح بازار تفاوضي قد يتنازل فيه عن تمسكه بالمجلس العدلي. وهناك من يتحدث عن أن الرجل يضع لائحة مطالب، تبدأ بالتعيينات ولا تنتهي ببعض الضمانات “النيابية” التي تبقى مؤجلة إلى فترة لاحقة. ومن بينها مقعد نيابي في حاصبيا، أو مقعد نيابي في بيروت. هذا إضافة إلى بعض المكاسب الوظيفية في الدولة.
منير الربيع / المدن