عون يهمش أرسلان لتمرير لترئيس باسيل، وهذا ما قاله شهيب لابو صعب…
في الاجتماعات الدورية المفتوحة التي كان يعقدها مجلس قيادة
الحزب التقدمي الاشتراكي، كانت توصيات وليد جنبلاط واضحة لجهة عدم استهداف
رئيس الجمهورية ميشال عون، وعدم توجيه أي كلمة ضده. بل الحرص على تحييده عن
كل الإشكالات المتعلقة بحادثة قبرشمون. آخر اجتماع لمجلس القيادة كان مساء
الأحد، وذلك للتحضير للمؤتمر الصحافي الذي سيعقده الاشتراكي الثلاثاء
لإعلان ما لديه من تجاوزات وقعت في المحكمة العسكرية. وكانت توصية جنبلاط
واضحة بخصوص عدم تناول رئيس الجمهورية في هذا المؤتمر، على قاعدة الحفاظ
على موقعه ودوره.
عون يهمّش ارسلان
على الرغم من هذا
القرار، كان الاشتراكي يعلم مواقف عون التصعيدية، وأنه هو الذي يصرّ على
إحالة القضية على المجلس العدلي، وطرح الملف على التصويت على طاولة مجلس
الوزراء. ويعلم الاشتراكي أيضاً أن عون يعتبر ما حدث كان يستهدف الوزير
جبران باسيل، ليخرج عون معلناً ذلك صراحة. وبالتالي، هو الذي وضع نفسه في
قلب المعركة، واختار وجهتها، على نحو أطاح بكل مسار القضية، وبكل المؤتمرات
الصحافية التي عقدها النائب طلال ارسلان، بعدما أضحى كلام رئيس الجمهورية
تهميشاً له وللوزير صالح الغريب عن القضية، بوصف ما جرى استهدافاً لباسيل
وحسب.
بعد موقف رئيس الجمهورية، فإن الاشتراكي سيلجأ للرد على كلام الرئيس، طالما أنه هو الذي اختار أن يكون طرفاً، ما يعني أن التصعيد سيستمرّ. وفي هذا السياق، يطرح الاشتراكيون جملة تساؤلات حول كلام عون، الذي يعتبرونه أيضاً قفزاً فوق التحقيقات. بل واستبق حتى القضاء بما أعلنه. وهذا ينسجم مع مسار سياسي كان فريقه يعمل على تعميمه، بأن ما جرى هو كمين أعدّ للوزير باسيل، علماً أن الطريق التي مرّ بها الوزير الغريب هو الذي اختارها. وبالتأكيد، لم يكن لا الوزير أكرم شهيب ولا غيره من أرشد موكب الغريب إليها. ثم هل يمكن إعداد كمين على هذا النحو العلني والمرفوعة فيه أعلام الحزب التقدمي الاشتراكي وفي مكان اعتصام مناصريه من سكان القرية؟
كذلك، يعتبر الاشتراكيون أن عون قفز فوق تحقيقات شعبة
المعلومات ومخابرات الجيش، التي خلصت إلى أن ما جرى لم يكن كميناً محضراً،
وأن عناصر موكب الغريب هم من ابتدأ بإطلاق النار.
الحملة الممنهجة والتسجيلات
موقف
عون، صاحبته حملة ممنهجة من قبل المحسوبين على العهد، تجلت في استباق
مؤتمر الاشتراكي، عبر تسريب تسجيلات، تشير إلى أن الاشتراكيين كانوا
يتحضرون لما قاموا به بشكل منظم. وأن التحرك لم يكن عفوياً. هذه التسجيلات
تنسب إلى أحد المسؤولين الاشتراكيين، الذي يوجه مناصريه في كيفية قطع
الطرقات واستخدام البيض والبندورة، احتجاجاً على زيارة باسيل. “البيض
والبندورة”، حسب المسربين، يقصد بها أسلحة وذخائر! ومن فحوى التسجيلات يبدو
واضحاً أن الحملة المنظمة تستهدف اتهام الوزير أكرم شهيب. في المقابل يهزأ
الاشتراكيون من هذه التسريبات، إذ كيف تتحدث التقارير عن أن المسؤول
الاشتراكي يشير إلى البيض والبندورة، بينما المناصرون يتحدثون عن أسلحة أو
ذخائر، وهل يمكن أن يكون هناك تحضير لكمين أو عملية بهذه السذاجة؟ وينفي
الاشتراكي هذه التسجيلات، ويقول أن معظمها مجتزأ ومفبرك. وحسب المعلومات،
فإن تسجيلاً لمسؤول اشتراكي يقول فيها: “لن يدخل أحد إلى كفرمتى إلا الوزير
صالح الغريب”. وهذا الكلام قيل لأهالي كفرمتى الذين كانوا يتحركون رفضاً
لزيارة باسيل. وعمل شهيب على تهدئتهم بالقول إنه لن يمر أحد في البلدة،
بينما كان يعمل على توفير طريق آمن لباسيل للدخول إلى منزل الوزير صالح
الغريب في البلدة، عبر طريق فرعي. لكن باسيل فضل عدم الذهاب. وحينها أبلغ
شهيب الأهالي والمناصرين بأنه لن يدخل إلى البلدة سوى الغريب.
ما قاله شهيب لبوصعب
وتكشف
“المدن” فحوى نقاش دار بين شهيب ووزير الدفاع الياس بو صعب في إحدى جلسات
الموازنة. النقاش حصل في وقت كان الرئيس سعد الحريري يجلس إلى جانب شهيب،
فأقبل بو صعب إليهما، وقد سمع بعض النواب النقاش. توجّه شهيب إلى وزير
الدفاع قائلا: “شو يا الياس، نحن كنّا محضرين كمين؟”. نفى بو صعب ذلك
قائلاً: “لا أنا ما قلت هيك”. فرد شهيب: “قالها النائب شامل روكز وآخرون.
لو كان هناك كمين محضر، فلا يتم تحضيره بهذا الشكل. وعلى الأقل، يكون سرياً
وليس على مرأى الناس. ولو ما جرى كان عملية متعمدة لكان عدد الضحايا أكبر
بكثير”. وأكمل شهيب سائلاً: “مين اللي بلش باطلاق النار؟”، فأجاب بو صعب
بأن عناصر موكب الوزير الغريب هم البادئون. عندها قال شهيب لبوصعب: “فإذاً
من الذي اخترع قصة الكمين؟” يجيب وزير الدفاع نافياً معرفته بهكذا رواية،
بينما غمز آخرون باتجاه الوزير سليم جريصاتي.
“شيخ صلح”
على
كل حال، أسقط عون كل ما يتعلق بإرسلان والغريب، محدداً القضية بوصفها
محاولة اعتداء على صهره. وهذا من شأنه أن يكون له تداعيات في البيئة
الدرزية، في صفوف مؤيدي الغريب وارسلان، الذين سيشعرون أنه تم استغلالهم
واستغفالهم في القضية، واستخدموا كمتراس في الواجهة، وأُهملوا بكل استخفاف،
بشكل تظهر فيه أن معركة عون وإصراره على المجلس العدلي لم تكن لأجلهم، بل
من أجل باسيل وحده. وهذا، بمعنى أو بآخر، تحويل كل المشكلة من قضية درزية –
درزية، إلى درزية – مسيحية. فيكون عون بذلك، قد جعلها أشد خطورة وأفدح.
في تعليق اشتراكي آخر على كلام عون، يستغرب رفض الرئيس أن
يكون “شيخ صلح”، مشيراً إلى أنه هو الذي طرح في البداية فكرة المصالحة في
قصر بعبدا، على أن تعقد جلسة حكومية في ما بعد. وهو الذي تراجع. وهو أيضاً
أيد فكرة عقد جلسة حكومية يغيب عنها شهيب والغريب. ويسأل الاشتراكي هل هذا
منطق دولة أم منطق شيوخ الصلح؟ وعندما تم تشكيل الحكومة ألم يكن العمل وفق
أسلوب شيوخ الصلح؟ وبعد الانتخابات النيابية، أليس الرئيس هو الذي بادر إلى
عقد جلسة مصالحة في بعبدا بين جنبلاط وإرسلان، وعاد وطرح مبادرة أخرى
بخصوص الشويفات. أليس هذا العمل عمل مشايخ الصلح؟
أبعد من تصفية حسابات
يؤكد
الاشتراكيون أن موقف عون، قد دعّم تفسيرهم لما يحدث على أنها معركة سياسية
وليست قضائية. والغاية أبعد من كل السجالات الإجرائية. وهذا يعني أن
التصعيد سيستمر حتى على مستوى عمل الحكومة. إذ، حسب المعلومات، كان عون يصر
على عقد جلسة حكومية الثلاثاء، والحريري الذي وعد خيراً وجد أنه من غير
المناسب عقدها، خصوصاً أن قفزة عون فوق تحقيق شعبة المعلومات وحرب
الصلاحيات أزعجت الحريري. وازداد انزعاجه بعد ما جرى في المحكمة العسكرية،
التي تجاوزت كل تحقيقات شعبة المعلومات ومخابرات الجيش. وتلفت مصادر متابعة
أن الحريري لم يعد قادراً أن يكون خارج المشكلة، لأن المسار الذي سلكته
الأمور تجاوزت الصدام مع وليد جنبلاط، وطرحت أزمة كبرى في البلد. وما
التشدد الذي يلتزمه الرئيس عون وحلفاؤه، إلا نتاج نجاح جنبلاط في تفادي
الخسارة في هذه المعركة.
ما لم يعد خافياً هو أن سياق المعركة وهدفها أصبحا أبعد بكثير من تفاصيلها ومن تصفية الحسابات السياسية، وفق ما تشير مصادر أخرى. فبينما وضعت بداية في خانة الصراع على المحاصصة في التعيينات، إلا أن ثمة إشارات قرأتها قوى سياسية متعددة، تعتقد أن رئيس الجمهورية قد دخل المعركة بثقله لتحقيق هدف استراتيجي بعيد المدى. صحيح أنه يريد تسيير عمل الحكومة، لكن بشروطه، أو يريد أن يحصل على ما يقابلها، خصوصاً أن مختلف القوى السياسية في البلاد حريصة على الهدوء وعدم التوتر، وتسعى لإعادة إحياء عمل الحكومة وعلى رأسهم حزب الله، الذي أرسل رئيس كتلته النيابية النائب محمد رعد للقاء الرئيس نبيه بري. وحسب ما تكشف مصادر متابعة، فإن الحزب أوكل لبري سبل إيجاد صيغة تسوية جديدة، والاضطلاع بمبادرة تنتج حلاً يرضي مختلف القوى، لأن هناك حاجة ماسة لعمل الحكومة.
مقابل رغبة الحزب هذه، فإن عون اندفع بعيداً. فمعروف أن عون لا يلجأ إلى أي موقف من دون أن تكون لديه حسابات أخرى في السياسة. هذه الحسابات يظن أنه حققها مع الحريري، الذي على الرغم من ثباته على موقفه حالياً، يظل عون مراهناً على استرداده إلى جانبه في النهاية. وهو يعرف أنه غير قادر على الحصول على تنازل كبير من جنبلاط أو من برّي. لذا، يلجأ عون إلى هذا التصعيد لعلّه يحصل على المزيد من حزب الله. وهنا تقرأ مصادر متابعة أن إصرار عون على نظرية استهداف باسيل، يعني أنه يريد منح باسيل رصيداً إضافياً، قد يكون وعداً يقدّمه حزب الله بتسمية باسيل رئيساً للجمهورية. وعد من هذا النوع يقدّمه حزب الله، ربما يكون فاتحة لتسوية كل المشكلة، ولتبادل تنازلات مرحلية بما يحيي الحكومة، ويثبت ركائز التحالف بين الطرفين (حزب الله والتيار الوطني الحرّ)، الذي بطبيعة موازين القوى سيجبر الجميع في النهاية على السير فيها، طالما أن الحريري بدوره يرتبط بتفاهم عميق مع رئيس التيار الوطني الحرّ.
المدن