بين البيك والمير… ماذا بعد “المصارحة والمصالحة”؟
غادة حلاوي – نداء الوطن
يوماً بعد يوم ستتكشف ظروف وتفاصيل لقاء “المصارحة والمصالحة” الذي جمع في قصر بعبدا رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط والنائب طلال أرسلان برعاية الرؤساء الثلاثة وضمانتهم. تعنّتٌ ما يزيد على أربعين يوماً محته ساعات قليلة من المفاوضات. تأمن اللقاء بفضل “مونة” رئيس مجلس النواب نبيه بري على حليفه جنبلاط، ومونة “حزب الله” على حليفه أرسلان، ولكن ماذا بعد؟ فهل تمت المصالحة بالفعل أم أنه لقاء لمجرد اللقاء فيما لا تزال السلبية تتحكم بمسار العلاقة بين “البيك والمير؟”.
في مجلس خاص سُئل أرسلان عن كلمة السر التي أفضت إلى “لقاء المصارحة والمصالحة” في بعبدا بين ليلة وضحاها، وعن الأسباب التي دفعته إلى تليين موقفه والتراجع عن المجلس العدلي في وقت كان جنبلاط في أسوأ حالاته؟ أجاب مستغرباً: “في أسوأ حالاته؟”، وتابع: “كيف لي أن أستمر وقد أبلغني الرئيس بري صراحةً، أنه إذا أصررت على المجلس العدلي فلن أصوّت معك بل سأكون ضدك إلى جانب وليد جنبلاط”. ويكمل أرسلان: “الأمور لم تقف عند هذا الحد، وبينما يتواصل التحقيق فإذا برسالة أميركية يتلقفها حاكم مصرف لبنان الذي أبلغ المسؤولين قبل ليلة من اجتماع بعبدا الاقتصادي أنّ الدولار الأميركي بلغ عتبة 1640 ليرة وهو في صدد الارتفاع أكثر ما يعرّض وضع الليرة للخطر ويضع البلد أمام أزمة اقتصادية لا تُحمد عقباها. فتأهب الجميع بمن فيهم “حزب الله” الذي كان المساهم الأكبر في دفع الأمور باتجاه الحلحلة السياسية”.
انهمك الجميع بتحذيرات سلامة والأميركيين. روسيا لم تكن بعيدة وكذلك الاتحاد الأوروبي الذي كاد أن يصدر بياناً مماثلاً للبيان الأميركي لو لم يُعقد لقاء بعبدا، كما سجّل حراك أكثر من سفير دولة أوروبية بعيداً من الأضواء. ومحلياً تكثفت الاتصالات ليل الخميس – الجمعة واستمرت حتى ساعات الصباح الأولى، فكان عرابها خصوصاً الرئيس بري.
شارك جنبلاط في لقاء المصالحة راضياً بالاجتماع مع “البديل” أي طلال أرسلان وليس مع “الأصيل” الذي هو “حزب الله” كما كان يطلب. لم يدرج لقاء “الاشتراكي – حزب الله” ضمن شروط لقاء المصالحة والمصارحة، ولم يقدّم “حزب الله” وعداً بلقاء قريب إلى عراب التسوية الذي اكتفى بنقل رسالة من “حزب الله” إلى جنبلاط تقول إنهم “منفتحون على علاقة يتولى الرئيس بري تنظيم تفاصيلها”. وفي المقابل أخذ “حزب الله” على عاتقه الضغط على أرسلان للإقلاع عن المطالبة بالمجلس العدلي والاجتماع إلى جنبلاط.
وكذلك فعل بري الذي استطاع قراءة اللحظة بتمعّن فاتصل بأرسلان طالباً منه الإقلاع عن المطالبة بالمجلس العدلي فأجابه أرسلان: “هذه تُعدّ هزيمة لي”، ليرد بري عليه قائلاً: “البلد أهم منك”.
فقال له أرسلان عندئذ: “أعدوا لي مخرجاً لائقاً”، ليجيبه بري: “سنتولى إخراجها بالشكل المناسب”.
في تقييمه للنتائج يعتبر “الاشتراكي” أنّ جنبلاط بقي على موقفه منذ بداية الأزمة، رفض المجلس العدلي فتراجعوا عنه، لم يعارض لقاء بعبدا الذي عارضه رئيس الجمهورية ميشال عون حين قال إنه ليس “شيخ صلح” فاذا به يتحول إلى “شيخ صلح”.
التغيّرات المفاجئة لم تكن من جانب “الاشتراكي” طبقاً لما تراه مصادره بل إن الطرف الآخر رأى أنّ استفحال الأزمة لا يخدم العهد ولا مشروع الوزير جبران باسيل الطامح للرئاسة، تقاطع ذلك مع مواقف دولية معلنة وخلف الستار كانت تنبّه من مغبة التصعيد الذي سيطاول وضع البلد أمنياً واقتصادياً.
أما وقد حصل اللقاء فهل ستكون له خطوات استكمالية بين جنبلاط وأرسلان؟ بحسب “الاشتراكي” حصل اللقاء ونقطة على السطر ولا مشكلة مع أرسلان، لكن ما من حاجة للقاء آخر في الوقت الحاضر. فأولوية “الاشتراكي” راهناً هي متابعة المساعي لتأمين تطبيق ما اتُّفق عليه في لقاء بعبدا حول نقاط نفذت وأخرى قيد التنفيذ. وقد تبين أنّ الحق الشخصي الذي اتفق على إسقاطه من قبل أرسلان لا داعي له في المحكمة العسكرية، بالإضافة إلى استكمال الاستنابات القضائية التي التزم “الاشتراكي” بتنفيذها فيما تخلّف أرسلان، والابتعاد عن السجال ووقف التشنج، والاحتكام إلى مجلس الوزراء عند الاقتضاء.
تجزم المصادر أنّ الحديث خلال اللقاء لم يتطرق إلى التعيينات لا من قريب ولا من بعيد، إنما أسهب أرسلان في الحديث عن تفاصيل ما حصل بينما اكتفى جنبلاط بالاستماع معتبراً أنّ الأهمية هي لسحب التشنج من الشارع.
وانتهى اللقاء بتمني الحضور على أرسلان، عشية مؤتمره الصحافي، بأن يخفّف سقف التشنج فالتزم. وتختم المصادر: “كثيرون حاولوا جمع جنبلاط وأرسلان، أصحاب ورجال دين، لكنّ مساعي المصالحة نضجت في نهاية المطاف بفضل جهود بري واللواء عباس ابراهيم”.