“بيت الدين” يرمّم علاقة عون – جنبلاط
الراي
يستعدّ لبنان لأسبوعٍ يستعيد معه الديناميةَ السياسية – الاقتصادية بعد استراحةِ العيد التي لم تَغِبْ عنها تطوراتٌ يفترض أن تلفح نتائجُها المرحلةَ المقبلة التي يبدو أن لا صوت فيها سيعلو على صوت الملف الاقتصادي – المالي رغم دقّة العناوين الأخرى ذات الصلة بالوقائع الساخنة في المنطقة التي ترتبط بها بيروت عبر «حبْل السرّة» الذي يمثّله «حزب الله» كرأس حربةٍ في المشروع الإيراني.
وبدا أن «الخاصرةَ الرخوةَ» الاقتصادية – المالية للبنان ظلّلتْ المحادثات التي أجراها رئيس الحكومة سعد الحريري في واشنطن، وسط انطباعٍ كرّستْه المواقف المعلنة بأن هذا «الخطر» ساهَم في تجديد ما يشبه «درع الحماية» للحكومة اللبنانية عبر تحييدها حتى إشعارٍ آخَر عن تبعاتِ المسار المتدحْرج للعقوبات الأميركية على «حزب الله» وربما حلفاء له.
ورغم أن خلاصاتِ محادثاتِ الحريري التي تَوَّجَها بلقاء وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ليل الخميس، كرّست مضيّ الولايات المتحدة في استراتيجية التشدّد بالعقوبات على «حزب الله»، ولكن مع الحفاظ على خيار دعم لبنان واستقراره ومؤسساته «التي تتمتع بصدقية»، فإن ثمة رصْداً في بيروت لكيفية التوفيق بين هذين الحدّيْن وتجنيب «بلاد الأرز» ارتدادات «الموجات الجديدة» من تلك العقوبات وخصوصاً أن بيروت لا تملك قدرة على التأثير في القرار الأميركي الحاسم في هذا الاتجاه.
وفي موازاةِ إشاعة الحريري وقريبين منه أجواء ارتياح لمحادثاته في واشنطن ونتائجها على قاعدة الفصل بين عمل الحكومة اللبنانية وبين مسار المواجهة الأميركية مع إيران و«حزب الله» والذي عَكَسه بومبيو واصفاً طهران بأنها «تهديد للمنطقة» والحزب بأنه «يهدد لبنان بما يقوم به نيابة عن إيران»، فإن مناخاً مُتَذَبْذِباً عبّر عنه مسؤولٌ في الخارجية الأميركية نَقَلَتْ عنه «العربية» و«سكاي نيوز»، أنه «إذا استمرّ (حزب الله) في القيام بما يفعله، ستكون هناك تداعيات»، وكاشفاً «أن العقوبات تم تطبيقها من قَبل على أبناء الطائفة الشيعية وعناصر حزب الله، لكنها لن تكون مقتصرة على أبناء طائفة واحدة في لبنان»، ولافتاً إلى أن بومبيو «تحدث الى الحريري دون أن (يمضغ كلماته) وأكد أن واشنطن تحاسب حكومة لبنان بمقياس عالٍ، ولو تابع حزب الله فعل ما يقوم به فإن الولايات المتحدة ستّتخذ الإجراءات التي يفرضها القانون».
وإذا كان جوهر الموقف الذي عاد به الحريري، بحسب أوساط مطلعة في بيروت، وتحديداً لجهة تأكيد دعم الجيش والقوى الأمنية والإشادة الكبيرة بأداء حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وتأييد مسار «سيدر» للنهوض الاقتصادي والمالي من شأنه أن يعطي دفْعاً لمرحلة السعي لبدء تنفيذ مقررات هذا المؤتمر ابتداء من الشهر المقبل، فإنّ مجمل ما سمعه رئيس الحكومة في واشنطن وما حمله سيكون الأسبوع المقبل أمام اختباراتٍ متلاحقة لمتانة المناخ السياسي الجديد الذي ولّدتْه «تسوية البساتين» قبل عشرة أيام، ومدى قدرة الحكومة والقوى السياسية على أن تكون على قدر ما تتطلّبه المرحلة من «ورشة إنقاذ بالتوازي مع المبادرة سريعاً لإعلان حالة طوارئ اقتصادية وإصلاحية، فكلنا في مركب واحد» كما قال رئيس البرلمان نبيه بري، وذلك بعدما كان رئيس الجمهورية ميشال عون وضع العنوان الاقتصادي – المالي أولوية الأولويات أيضاً، معتبراً أن «ما تحقق في الورقة الاقتصادية المالية التي أقرت في اجتماع قصر بعبدا (قبيل صلحة البساتين) أمر مهم جداً».
وتمنى «أن يتعاون الجميع لوضعها موضع التنفيذ لا سيما وأنها أقرّت في حضور رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان ورئيس مجلس الوزراء، وإذا لم يستطع كل هؤلاء تنفيذ الورقة فهذا يعني عدم وجود حُكم».
وبحسب مصادر متابعة في بيروت، فإن «المشهدية» التي ارتسمت أمس في بيت الدين (الشوف غداة انتقال عون إليه لنحو أسبوعين)، مع الوفد الضخم (300 شخص) من «الحزب التقدمي الاشتراكي»، والكتلة البرلمانية للزعيم الدرزي وليد جنبلاط وفاعليات دينية وعائلية تقدّمتهم كريمة جنبلاط (داليا) الذي زار عون مرحّباً، شكّلت عنصر «تبريد» إضافياً وكرّست أجواء المصالحة التي كانت تُوّجت في القصر الجمهوري وأنهتْ الفصول الساخنة من «حادثة البساتين» (وقعت ميدانياً بين مناصري جنبلاط والنائب طلال ارسلان وسياسياً بين التقدمي والتيار الوطني الحر – حزب عون).
وإذ يُنتظر أن يزور جنبلاط ونجله تيمور، الرئيس عون الأسبوع المقبل بعد عودتهما من الخارج وسط معلومات عن أن زعيم «التقدمي» سيوجّه دعوة لرئيس الجمهورية لزيارة المختارة، برز كلام عون أمام الوفد أمس، إذ أعلن «أنا سعيد لأننا تمكنا من أن نخرج من الحادث المؤسف الذي حصل في قبرشمون – البساتين. وقد سعينا كثيرا لإزالة آثاره الجارحة التي نتطلع إلى أن تزول كليا في وقت قصير»، مضيفاً: «المصالحة الأساسية (المسيحية – الدرزية 2001) التي حصلت لن تهتز وإن اختلفنا سياسياً. والاختلاف السياسي طبيعي في النظام الديموقراطي ولكنه ليس اختلافا على الوطن وعلينا أن نتفق على إعمار لبنان (…)».
من جهته، تحدّث وفد «التقدمي» بلسان داليا جنبلاط التي توجّهت الى عون، معتبرة «أن وجود فخامتكم يشكل دفْعاً كبيراً للمصالحة والوحدة الوطنية في الجبل»، وهو ما كرره الوزير أكرم شهيب، مؤكداً «أن المصالحة كانت وستبقى عنواناً ساطعاً للعيش الوطني الواحد الراسخ في الجبل وعنواناً لتعزيز الحياة المشترك».