رسالة من ليل بيروت… الى فخامة الرئيس
حين تُنشر هذه السطور، في الصباح الباكر، قد يكون رئيس الجمهوريّة في الطائرة، قادماً من نيويورك الى بيروت، أو ربما وصل الى لبنان. لست أدري، حين يصل الرئيس، إن كان واحدٌ من أعضاء الوفد المرافق الى نيويورك سيطلعه على ما سيُكتب هنا. نتمنّى.
لا تفهم، يا صاحب الفخامة، بأنّ الهدف من هذا المقال هو انتقاد عهدك أو إعلان فشله أو إصدار أيّ حكم بحقّه. الهدف هو أن تسمع ما لا يسمعك إيّاه معظم من تلتقيهم وتستشيرهم ويحملون لقب وزيرك… بينما أنت في نيويورك، تزدحم السيارات أمام محطات المحروقات في لبنان، وقد أضرب الكثير منها. ومن أدخر مالاً في مصرف يشعر بالقلق. ومن لا يملك المال أصابه اليأس. وبعض المواطنين قطعوا طرقات في الليل احتجاجاً على تجويعهم. ولا يمرّ يومٌ من دون أن تصرف مؤسسات موظفيها ويقفل البعض منها أبوابه. هل تعرف، يا صاحب الفخامة، كيف سيدبّر آلاف الموظفين أمورهم مع عائلاتهم بعد صرفهم؟ من سيدفع أقساط مدارس وجامعات أولادهم؟ من سيؤمّن قوت الأولاد؟ مؤلمٌ مجرّد التفكير في ذلك. لقد طالبتنا بالتخلّي عن بعض المكتسبات، ونصحتنا بالتقشّف، وهذا كلام محقّ. ولكن هل يُطبَّق على الناس ما لا يُطبَّق على السياسيّين؟ الوفود فضفاضة في نيويورك وفي زيارات بعض الوزراء وحتى النواب، وهؤلاء من مختلف التوجهات السياسيّة.
ورفعتَ، رئيساً وقبل الرئاسة، شعار مكافحة الفساد، ونحن ننتظر جميعاً ترجمةً لهذا الشعار، وقد علمنا بأنّك أعدت قانون إنشاء الهيئة الوطنيّة لمكافحة الفساد ورفضت التوقيع عليه، مع أنّك صاحب المشروع. يحتاج الأمر الى تفسير، كي لا يسيء أحدٌ التفسير. والأسوأ أنّ عدد الفاسدين الى ازدياد، وبعضهم من المحسوبين عليك، كما من معارضيك. “ما حدا أحسن من حدا”. فليدخل فاسدٌ الى السجن. فلترفع الحصانة عن مسؤول. ولتصدر تعيينات بلا محاصصة ومحسوبيّات. كلّ من يعيَّن محسوب على أحد. مزرعة. بعد شهر ونيّف، ستحلّ ذكرى انتخابك. سينبري خصومك لمهاجمتك، وسيبالغون حتماً. وسيتسابق المؤمنون بك، وأشهد أنّهم كثر، للدفاع عنك. ولا ننسى “مبيّضي الوجّ” الذين يطمحون لتعيين أو يسعون الى مصلحة، وأعرف الكثير منهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
ولكنّنا كلّنا ثقة بأنّ إنقاذ العهد ممكن. فليبدأ، فوراً، تنفيذ خطوات إصلاحيّة رسمت “خطّة ماكينزي” خريطتها، وتحدّث اجتماع بعبدا الاقتصادي الأول والثاني عن بعضها. فليعلَن عن عودة قروض الإسكان قريباً. فلتصدر تعيينات شبيهة بتعيين القاضي سهيل عبود، ما يمنح ثقةً للناس. فليبدأ الرؤساء والوزراء خطوات تقشّفية، بدءاً من رحلاتهم الخارجيّة، ومعظمها غير مجدية. ولتتّخذ قرارات صادمة إيجاباً في قطاع الكهرباء. ما سبق كلّه، وغيره بعد، ممكن أن يتحقّق في أيّام. حينئذٍ تتثبّت، يا فخامة الرئيس، استثنائيّة عهدك. وإلا سيكون ما تبقّى من العهد شبيهاً بليلة أمس. في بيروت طبعاً لا في نيويورك.
داني حداد – MTV
