شحّ الدولار في الأسواق.. فهل من خوف على الليرة؟
البوفيسور جاسم عجاقة
من أهمّ النقاط التي يتميّز بها القطاع المصرفي اللبناني هي حرّية تنقل رؤوس الأموال. هذه الميزة العزيزة على قلب حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، تزيد ثقة المُستثمرين المحلّيين والأجانب في القطاع المصرفي بشكل كبير. وهذه الحريّة ليست مُجرّد قرار مكتوب في تعميم، بل هي نتاج أكثر من 25 سنة عمل فيها سلامة على تنظيم القطاع المصرفي بشكل يؤمّن أعلى درجات الحماية للودائع كما والإلتزام الكامل والشامل بالقوانين الدولية والمعايير العالمية، مما يضمن إندماجاً كلّياً للنظام المصرفي اللبناني في المنظومة المصرفية العالمية. بمعنى آخر الإندماج يؤمّن دخولاً متواصلاً لرؤوس الأموال إلى القطاع المصرفي اللبناني ويترك للمُستثمر حرّية سحب أمواله ساعة يشاء. هذه الميزة إستطاع مصرف لبنان الحفاظ عليها على الرغم من الوضع السياسي والمالي في لبنان. في المقابل، لم تستطع قبرص الحفاظ عليها حين عصفت بها أزمة مالية مما استدعى لجم خروج الودائع من قبرص. فعلًا هذه الميزة هي مفتاح نجاح القطاع المصرفي اللبناني. في لبنان جرت العادة أن يتمّ التعامل بالنقد بشكل مُفرط في العمليات اليومية. وإذا كان الشمول المالي قد إرتفع إلى 45% في لبنان (69% في العالم – 2017) إلا أن العمليات التي تتمّ نقدًا ما زالت مُرتفعة وتشمل التعامل بالدولار بشكلٍ غير مُبرّر في بعض الأحيان. حاجة الدوّلة اللبنانية إلى التموّل بالدولار الأميركي زادت بنسبة كبيرة في السنوات الماضية وتفوق الخمسة مليارات دولار في العام 2019 وهي نتاج الإنفاق المُفرط على فيول كهرباء لبنان، خدمة الدين العام بالدولار الأميركي، مشتريات الدوّلة من المحروقات والسلع ومكاتب الإستشارات كما وتنفيذ بعض المشاريع. ولا يجب نسيان الإستيراد المُفرط الذي يفوق الـ 20 مليار دولار أميركي! في المقابل، لم تعد مداخيل الدوّلة تكفي لتغطية هذا الإنفاق المُفرط في العملة الصعبة مع صادرات ضعيفة، سياحة ضعيفة، إستثمارات أجنبية إلى تراجع، وتحاويل مغتربين بحال ركود. سدّ الحاجة في الأسواق المالية أصبح مُكّلفًا وهذا ما دفع الدوّلة إلى اللجوء إلى المصارف ومصرف لبنان الذين ما عادوا يمتلكون ترف تمويل الدوّلة بفوائد مُنخفضة (تقرير صندوق النقد الدوّلي)، نظرًا إلى أن كلفة الإستدانة للمصارف إرتفعت مع خفض تصنيف لبنان. شح الدولار بالأسواق هو نتيجة طبيعية لتلبية هذه الحاجة على الرغم من التداعيات الإقتصادية في بعض الأحيان، بحكم أن عدم السماح بإفلاس الدوّلة هو أولوية مُطلقة! وبالتالي أخذت القطاعات التجارية (بالدرجة الأولى) تتأثر نظرًا إلى أن نسبة الأرباح قلّت عن السابق لكنها لم تؤدّي إلى أيّة خسائر في أي قطاع على عكس ما يُشاع. أضف إلى ذلك، يعمد بعض اللبنانيين (مواطنين عاديين) إلى تحويل ليراتهم في المصرف ليعاودوا بيعها في الأسواق بأسعار عالية وبالتالي أصبحوا يُحقّقون أرباحًا وصلت إلى 200 ألف ليرة على كل 3 ملايين ليرة لبنانية! بالطبع الكلفة يتحمّلها المُشتري، إلا أن هذا الأمر يملك ضرراً كبيراً على مصرف لبنان وعلى إحتياطاته وحتى على تمويل الدوّلة! هل من تبرير لطلب تحويل الليرة إلى الدولار وسحبها من المصرف والعودة في اليوم الثاني لإيداع المبلغ بالليرة وسحبه من جديد بالدولار؟ باعتقادنا السبب أن الشخص يستخدم هذه الأموال للتجارة بالدولار بشكلٍ غير مشروع لأن هذا النشاط لا يُمكن أن يمارسه إلا من يحمل رخصة من مصرف لبنان. وكأن هذا لا يكفي، فقد قام بعض التجّار وبعض الصرافين ببيع الدولار أو قبض الفواتير بأسعار بعيدة عن الهامش الرسمي لتحقيق أرباح غير شرعية من دون أية ملاحقة من قبل الدوّلة. وقامت إدارات بعض مواقف السيارات ودور الحضانة (وغيرها) بتسعير خدماتها بالدولار الأميركي من دون أي سبب وجيه. ولا يُمكننا نكران تكديس الدولارات في المنازل والتي بإعتقادنا تفوق الـ 2.5 مليار دولار أميركي. مصرف لبنان وعلى لسان حاكمه رياض سلامة، صرّح أن المصارف اللبنانية تُلبّي الحاجة في الأسواق. هذا القول يعني أن المصارف تُلبّي الطلب على الدولار للعمليات التجارية وليس للمتاجرة بالدولار كما يفعل البعض. من هنا الدعوة بشكل غير مباشر لإستخدام القطاع المصرفي للقيام بالعمليات التجارية لما في ذلك من حماية لمالية الدوّلة. إننا إذ نؤكّد أن لا خوف على الليرة على الرغم من شحّ الدولار، نُطالب الحكومة والمجلس النيابي بإقرار قانون يحصر التبادل التجاري على الأراضي اللبنانية بالليرة اللبنانية مع أحقّية تملّك الفرد أو المؤسسة لحسابات بالعملات التي يُريدونها وأحقّية إستخدام العملات الأجنبية في التداول في الأسواق المالية أو التجارة الدوّلية.