الهيكل المهترئ: الحريري يخسر جمهوره ويلجأ لنصرالله وعون
كل ما تقوم به الحكومة وأركان التسوية، يندرج في إطار المكابرة والهروب إلى الأمام. الحكومة قابلة للانفجار من الداخل.
الحريري المطيع لباسيل
في
وقت اشتداد التظاهرات واتساعها، عندما كانت الحكومة منعقدة لإقرار خطّة
الإصلاحات، كان الوزير جبران باسيل مصرّاً على تمرير كل ما يريده فيها.
والأخطر أن الرئيس سعد الحريري كان يسلّف باسيل كل ما يريده: من تعيين بديل
من مديرة الوكالة الوطنية للإعلام، إلى خطة الكهرباء والهيئة الناظمة،
التي ستكون بلا أي صلاحيات، وصولاً إلى تدخل باسيل بالاسم الدرزي في هيئة
إدارة البترول، ما أدى إلى حصول الإشكال مع الاشتراكي.
وتحت جانح نصرالله
تسليم
الحريري لباسيل بكل ما يريده، هو ركن أساس عميق في الأزمة القائمة. وصورته
في الشارع لم تعد كما كانت في بداية الانتفاضة. لقد تحوّلت في غمرة
توسعها: من يصرّ على بقاء الحكومة، يمنح الغطاء لباسيل والعهد وحزب الله.
أكثر من ذلك: بقاء الحريري في موقعه، يعني أنه يحتمي بلاءات حسن نصرالله،
وقد يحاول الدخول على خطّ الساحات المضادة لدعم بقاء الحكومة، وحماية حزب
الله من جمهوره، والعهد من الجمهور المسيحي المتكاثر في ساحات مناطقه.
… والسفراء
في
هذا السياق، وبمخاطبته الشارع بتودد، عمل الحريري على تعويم نفسه دولياً.
فالتقى مجموعة من السفراء، وعرض عليهم الورقة الإصلاحية للحصول على تأييدهم
ودعمهم.
وهو في هذا استند إلى تجربة والده: عندما قدّم استقالته، وفي
الأزمات الحقيقية، كان يعتكف في منزله ويبدأ السفراء في زيارته. وهذا ما
يمنحه قيمة معنوية في موقعه، ويعزز صورته.
تضييع الفرص
هذا
الهروب إلى الأمام، الذي يلجأ إليه الحريري للبقاء رئيساً للحكومة، مديراً
ظهره لصرخات الناس، يقيم سداً بينه وبين الشارع، ويقترب من أن يكون كغيره
في الحكومة. على الرغم من احتمال أن يكون قلبه مع الناس التي دعاها إلى
الاستمرار في التظاهر. تساؤلات كثيرة طرحت حول ما يقصده الحريري من هذا
الموقف: هل يريد فعلاً بقاء الناس في الشارع؟ لعلّ ذلك يسمح له بتعزيز
موقعه في التسوية، وفرض بعض شروطه، على ما قال بنفسه. فبسبب التظاهرات تمكن
من إقرار الورقة التي سعى إلى إقرارها منذ سنوات.
قد يكون هذا صحيحاً في حسابات الحريري، لكنه في الحقيقة مناف للواقع، نظراً إلى مجريات جلسة الحكومة وتمكن التيار الوطني الحرّ من فرض ما يريده فيها. وهذا يعني أن الحريري لم يحسن التقاط اللحظة لتحسين موقعه السياسي. خصوصاً أن ما قاله بعد جلسة الحكومة، يشير إلى إن عمله كان معطّلاً. وكأنه نطق بما كانت الناس تقوله: لم يكن الرئيس الحقيقي للحكومة، بل باسيل هو الذي كان يقودها ويعرقلها.
صورة الحريري في شارعه كارثية. يكفي النظر إلى طرابلس. وفي وقت محاولته البحث عن مخارج بتعديل حكومي، استمرت بعبدا وباسيل في تطويقه أكثر، وعصره إلى حدّ استنزافه نهائياً.
فإذ كانت مصادر بعبدا تتحدّث عن أنه لا يزال من المبكر الحديث
عن تعديل وزاري، فإن فريق الحريري هو من تحدث عن تعديل وزاري. وعادت مصادر
الحريري وتراجعت عن موقفها خدمةً لبعبدا. إنه تسليم الحريري الكامل لعون
وباسيل. تم استمرت بعبدا بالهجوم على الحزب التقدمي الاشتراكي وطروحاته
ومواقفه، على الرغم من وقوف جنبلاط إلى جانب الحريري. لكن من الواضح أن عون
وباسيل لا يريدان جنبلاط ولا ملاحظاته. وهذا يضعف رئيس الحكومة أكثر
فأكثر.
جنبلاط المتناقض
على الرغم من بقائه في الحكومة،
يتخذ جنبلاط مواقف اعتراضية تظهره متناقضاً. وهذا مثال على حال الحكومة
المتفجرة من داخلها. جنبلاط لا يريد ترك الحريري وحيداً. ولكنه بلا شك
يريده أن يقدم على الاستقالة. وهذا ما يعنيه القول إن الوقت حان للخروج من
هذه التسوية المكلفة. ومن جهة أخرى لا يريد جنبلاط أن يردّ طلباً لرئيس
مجلس النواب نبيه برّي الذي يحرص على بقاء الحكومة. فبرّي كان قد سلّف
جنبلاط مواقف كثيرة خلال أحداث قبرشمون، قبلها وبعدها.
وزير واحد وتنهار
نفي
الحديث عن “التعديل الحكومي” هدفه أساسي: عدم رفع معنويات المتظاهرين،
الذين يعتبرون أنهم استطاعوا خلخلة الحكومة، ويبقون في الشوارع مطالبين
باستقالتها كاملة، وبتنحي رئيس الجمهورية. يعرف أركان الحكومة أن أي تعديل
حكومي لن يكون كافياً لإقناع الناس، بل مقدّمة لاستقالة الحكومة كاملة. لكن
بشرط الاتفاق المسبق على كيفية إعادة تكليف رئيس الحكومة وتشكيلها.
هناك من يروّج لمبدأ تشكيل حكومة تكنوقراط، تضم بعض العسكريين، وخصوصاً بعد موقف الجيش اللبناني في حمايته المتظاهرين من شبيحة حركة أمل وحزب الله على دراجاتهم النارية، وامتناعه عن استخدام القوة لفض التظاهرات. الجهات المؤيدة لهذا الخيار، تعتبر أنها حققت الخلاص من التسوية الرئاسية، واستطاعت فرض الأمن والتغيير الحكومي النوعي، واستعادة الاستقرار. وهذا نموذج قد يحاكي جزءاً مما حصل في المنطقة.
المدن