استقالة الحكومة واقعة.. وأقطاب السلطة يتحايلون
فيما قدّم رئيس الجمهورية موقفه بشأن تعديل الواقع الحكومي،
ولاقاه رئيس الحكومة سعد الحريري في منتصف الطريق.. تؤكد كل المعطيات من
الكواليس السياسية، أن استقالة الحكومة أصبحت واقعة. البحث يتركز فقط على
المخرج. إنهم يستثمرون في الوقت وحسب. شدّ الحبال مستمر بين قوى السلطة
وبين الناس. وكل قوى السلطة تشاطرت وحاولت برداءة الاستثمار بموجة
الاحتجاجات وبنوعية الحراك، من أجل تسجيل النقاط على حساب القوى السياسية
الأخرى، ولتحاول ببؤس تعزيز موقعها التفاوضي مع القوى الأخرى، وفق منطق
التحاصص إياه.
نكاية بـ”القوات اللبنانية”
انحصر اهتمام
رئيس الحكومة سعد الحريري، بشارعه الذي ينتفض ويطالبه بالانفضاض من هذه
التسوية، وجلّ ما أراده هو كسب الوقت للخروج من المأزق وإعادة تجديد
التسوية والحفاظ على الحكومة. أما رئيس الجمهورية، فقد ركّز اهتمامه على ما
يجري في الشارع المسيحي. لم يكن يريد لهذا المشهد في جل الديب والزوق
والبترون والمناطق المسيحية الأخرى أن يستمرّ، والأهم لم يكن يريد تقديم أي
تنازل، بالتوافق مع الحريري، لهذه التحركات التي اتهمت بتحريكها القوات
اللبنانية. ما يعني أن الرجلين لا يريدان الانكسار أمام القوات التي انسحبت
من الحكومة وطالبت باستقالتها.
ما أراده العهد، هو العمل بأي طريقة لفتح الطرقات وحصر الناس
والمتظاهرين في ساحات لا تؤثر على حركة البلد. وبالتالي لا يكون لها أي
تأثير سياسي. وخطاب التيار الوطني الحرّ بكوادره ونوابه ومسؤوليه، كان يركز
على استعادة خطاب قديم ضد القوات اللبنانية، استعادة لغة الحرب، واتهام
القوات بأنها الميليشيا التي تعيق عمل المواطنين وتقيم الحواجز. وبالتالي
مخاطبة الجمهور المسيحي بالتخيير بين الدولة والميليشيا! وهذا بالحدّ
الأدنى كلام سياسي يفتقد إلى أي واقعية، وبعيد كل البعد عن ما يجري، خصوصاً
أن لعبة العهد كانت تركز على أن ما يجري هو استهداف لرئيس الجمهورية في
بيئته المسيحية، وكلام من نوع أن المناطق المقفلة هي في مناطق مسيحية فقط،
على نمط “الحرائق تستهدف المناطق المسيحية”!
حرب الإلغاء “سياسياً”
تبقى
اللعبة الأساسية بالنسبة إلى العهد، في الشارع المسيحي، برفض “استحواذ
القوات على الشارع”. ولذلك، هم يحاول شراء الوقت، منعاً لتحقيق ما طرحه
جعجع حول حكومة تكنوقراط. أمام هذا لدى عون شرط أساسي، هو خروج الناس من
الطرقات والشوارع وإعادة الحياة للبلاد. وبعدها العمل على تغيير حكومي.
وهذا كان مدار مفاوضات بين عون والحريري وبين القوى اللبنانية وعدد من
الدول. ومن بين الاقتراحات التي نوقشت، هي المباشرة بأي طريقة لفتح الطرقات
في المناطق غير المسيحية. وبعدها لا يكون أي مبرر لاستمرار إقفال الطرقات
في جل الديب، والزوق وغيرها. ولو اقتضى ذلك من قبل التيار الوطني الحرّ
استدعاء ذاكرة العام 1989 واستمالة الشارع المسيحي والأنتيليجانسيا
المسيحية، في تكرار “سياسي” لحرب الإلغاء.
“عقدة” باسيل
اتفق
الحريري وعون مبدئياً على تعديل وزاري جدّي، بعد تدخّل دولي، وسط قناعة
بأنه لا يمكن بقاء هذه الحكومة، ولا بد من إجراء تغيير عليها. كلام عون حول
تغيير الواقع الحكومي، يعني بشكل أو بآخر – وبخجل – فتح الطريق أمام
استقالة الحكومة. بينما باسيل الذي تفاقمت الخلافات حوله داخل قصر بعبدا،
وهو ما تكشّف في إعادة تغريد ابنتي رئيس الجمهورية ميراي وكلودين للجملة
التي تتحدث عن تغيير الواقع الحكومي، يفضّل استقالة الحكومة على إجراء
تعديل وزاري واستبعاده منها، إذا كان سيحصل. إذ أن باسيل لا يريد أن يخرج
من الحكومة وتستمر هي، فيثبت على نفسه أنه مستفز وغير مرغوب فيه، وأنه من
المشتبه بارتكابهم الفساد، طالما أن التعديل الوزاري يستهدف الوزراء الذين
تحوم حولهم شبهات. لذلك يفضل باسيل استقالة الحكومة كاملة، وتشكيل حكومة
جديدة، على الأقل إذا لم يستطع أن يعود وزيراً فيها، تكون أفضل من استبعاده
من الحكومة الحالية.
الحريري وحزب الله
الحريري يعتبر أن
لا خيار غيره لترؤس أي حكومة جديدة، وأن من أُصيب هو رئيس الجمهورية
وعهده. وهو سيعود على رأس حكومة جديدة، يكون فيها قادراً على تعزيز موقعه
السياسي. أما حزب الله فلم يكن حاضراً بقوة في واجهة المشهد، على الرغم من
وجوده بقوة في الكواليس السياسية. وهو أيضاً يعتبر أن جزءاً من الحراك،
قابل لأن يصب في صالحه السياسي، حتى وإن تشكلت حكومة جديدة لن تكون قادرة
على الخروج من تأثيره وسلطته، لا سيما أن النقاش كله بعيد عنه وعن دوره
وسلاحه، والناس تتجه نحو محاربة الفساد. وبما أنه الأكثر تنظيماً، سيكون
قادراً على تجيير ما يجري لصالحه سياسياً على المدى البعيد وفق ما يعتبر.
لدى حزب الله يقين، بأن ما يجري سيؤسس إلى تغيير جذري، في طريقة التعاطي
السياسي في البلاد، خاصة بعد تفلّت الشارع، وطريقة تعاطي الناس مع
السياسيين ومخاطبتهم.
يعتبر حزب الله، أن ما سيأتي هو خيارات جديدة واستثنائية، تصل إلى حدّ تشكيل حكومة جديدة. لكن الأهم هو عدم إسقاط العهد. ومن بين هذه الخيارات أيضاً، تغيير طريقة التعامل في الملفات المالية والاقتصادية، وتثبيت مبدأ المحاسبة، تؤدي إلى ممارسة سياسية جديدة. ولا شك، يعتبر الحزب أن لبنان مقبل على خيارات صعبة جداً، بسبب الظروف المحلية المتفجرة، وهي نتيجة تخل دولي وإقليمي عن دعم لبنان بأي شكل. ويعتبر الحزب أن الشارع حتى الآن هو الذي يمتلك السيطرة، ولكن الأسبوع المقبل سيحمل “توضيحاً” لما ستؤول إليه الوضعية السياسية في البلاد. وقد يعمد الحزب إلى تحديد طبيعة هذا “التوضيح”.
المدن