“مخاوف” جورج غانم.. خطاب تهويل جديد؟
الرعب الذي أثاره الإعلامي جورج غانم، في فقرته ضمن برنامج “صار الوقت” في قناة “أم تي في”، خلق جواً ملتبساً بين التأييد لمخاطر محتملة، ومن ضمنها الايحاء بـ”خطيئة” ارتكبها الثوار حين تحركوا ضد السلطة الفاسدة، وبين تشكيك في نوايا تتطلب الكثير من الفهم السياسي الموجود لدى غانم، والمتعلق بمرحلة معقدة، وهو ما دفع ناشطين للهروب الى الأمام بالقول إن ما قاله غانم هو “كلام حق يُراد به باطل”.
فالناشطون لا ينوون تصديق ما بدر عن غانم في منبر قناة لا لُبس في أنها مؤيدة للثورة الاحتجاجية في لبنان. ومن المنبر نفسه، يتلقّف المعارضون للثورة، التصريح، ويستندون اليه لتدبيج خطابهم السياسي والإعلامي، بالقول الثورة هذه تقرّبنا من الانهيار. أما أزلام الثورة المضادة، فباتوا ينظرون الى السلطة على أنها كانت تدرك أن انهياراً محتملاً يقبل على لبنان خلال اسابيع أو أشهر، وتركت مجالاً للتحرك ضدها بهدف تحميل المتظاهرين جزءاً من مسؤولية الانهيار المقبل، في حال حدوثه.
ومع أن غانم حاول استيعاب الهجمة المضادة على كلامه، بتمهيد يحمل في طياته تأكيدات بأن ما يقوله هو توصيف دقيق لمسار سياسي متأزم، معتذراً من الثوار، إلا أن بعض ما طرحه لا يمكن احتسابه في خانة الاستنتاج المقدس، بل يحتمل النقاش في ما يخص الجزئية المتعلقة بالمخاوف من اندلاع حرب. ويسأل أحد المغردين: “هل هناك حرباً أشد قساوة من حرب اقتصادية ستؤدي الى انهيار مالي وتجويع اللبنانيين؟”
تلك هي الحرب في نسختها الحديثة التي وصلت الى لبنان، وأدخلت اللبنانيين فعلاً في مدار الأزمة، ويُستدل اليها من الإجراءات المصرفية التي اتخذت خلال اليومين الاخيرين، والهلع الذي أصاب اللبنانيين، والتعقيدات الإضافية التي ستنعكس في إيرادات الدولة، وصولاً الى أزمة في رواتب القطاع العام في الفترة المقبلة في حال بقي الوضع على حاله لجهة انسداد الحلول السياسية. وهي وقائع لم تعد خافية، وتتعزز مؤشراتها في تقديرات البنك الدولي وتصريحات مسؤولي المؤسسات المراقبة للوضع المحلي.
عدا عن هذه الحرب، تستدعي الحرب التقليدية، بنسخة 1975، والتي استحضرها جورج غانم، الكثير من النقاش على ضوء متغيرات كثيرة، بفوارق زمنية. فالحرب تحتاج الى طرفين للتقاتل، يتكافآن في القدرات والمستوى، وهو مفقود في لبنان. ذلك أن الطرف القادر على الحرب، أي “حزب الله”، هو الوحيد القادر على اسقاط النظام لكنه أكثر المتمسكين به. وبالتالي، فإن خوضه لأي حرب يستطيع أن يحسمها، في الفترة الاولى، لصالحه، لن يكون نصراً، وعليه يحاذرها منعاً لانهيار النظام الذي يستفيد من بقائه.
كذلك، يتطلب تجهيز أي طرف آخر للحرب، قدرات مالية وبشرية، غير متوافرة لدى داعمين اقليميين محتملين، في ضوء الأزمات المالية التي تعصف بالمنطقة، وتبدل الأولويات في ظل منطقة ملتهبة تعيش على ايقاعات التوترات المتنقلة.
فضلاً عن ذلك، كان السلاح الفلسطيني، والطموح الدولي لتثبيت لبنان قاعدة لتوطين محتمل، سبباً كافياً لاندلاع حرب، فيما “حزب الله” هو طرف لبناني، يمكن احتواؤه أو تثبيت قواعد اشتباك معه، ويتم التعايش معه سياسياً، وضبطه اقليمياً. وأي مواجهة تُخاض مع الحزب ستعني حكماً مواجهة لطائفة ستقاتل لتثبيت وجودها، ولا يمكن ترحيلها مثل الفلسطينيين في حال دخول عامل اقليمي، وهو ما لم يُسقط من حسابات دولية تحولت في المواجهة من الحرب التقليدية مع الحزب، إلى الحرب المالية.
قد تحتمل هذه القراءة، لتحذيرات غانم، النقاش أيضاً، بسبب اختلاف عوامل كثيرة قد تطرأ على آليات المواجهة. لكن الأكيد أن إحاطته التاريخية، بإسقاطات واقعية، تخلق هذا الجو من الارتباك القائم على ثلاثة عوامل، أولها تدهور الوضع المالي للبلاد، وانسداد أفق الحلول السياسية، وثالثها يتمثل في قصور الحراك نفسه عن تقديم بدائل، ما يلزمه، في حال اتساع الفجوة وتنامي الهواجس، بالضغط لتصحيح النظام وليس قتله. كما تلزم الحراك بالتخلي عن نظريات تقول إن غانم يتبنى وجهة نظر سياسية ترى ان استمرار الحراك سيؤدي الى اهتزاز الموقع المسيحي الأول في البلاد، ولا بد من إنقاذه بتعميم التخويف.
المدن