“أبو رخّوصة” حين يستنفر: النازحون يتحملون المسؤولية!
نفد صبر الهيئات الاقتصادية “والأحوال وصلت إلى قطع تام في الأرزاق”. حالة مبكية تعكسها الهيئات الاقتصادية في بياناتها التي تُوصِّف الحالة الاقتصادية في البلاد توصيفاً دقيقاً. كيف لا، والتراجع في نشاط المؤسسات التجارية تجاوز نسبة 60 بالمئة، وفق ما يؤكده رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس، الذي لم ينسَ خلال مؤتمر صحافي عقده بعد اجتماع ممثلين عن القطاع التجاري، يوم الثلاثاء 26 تشرين الثاني، تحميل النازحين السوريين جزءاً من مسؤولية ما وصلت إليه البلاد. فبنظر شماس “أعداد النازحين كانت تتكاثر من دون حسيب ولا رقيب، ومنهم القوى العاملة التى باتت تنافس اللبناني في سوق العمل وفي لقمة عيشه، وبدل أن تصرف المهيات التى يجنيها هؤلاء في الداخل اللبناني، نراها ترسل إلى عوائلهم وأقربائهم في البلاد المجاورة، في حين شهدت الأسر اللبنانية قدرتها الشرائية تتبخر يوما بعد يوم ولم يعد في إمكانها توفير حتى أبسط حاجاتها المعيشية”.
مسار انحداري
إستنفَرَ
شماس وعدَّ العدة للانتفاض على الواقع المر. حذّر من الآتي، ورسم مسار
الأزمة، فخلص إلى أنه “لا بيع ولا شراء ولا دفع ولا قبض، ولا تجديد في
المخزون. وبالتالي تقنين وأزمات تموين، ولا تلبية لحاجاتنا من سيولة أو
تحويلات أو عملة أجنبية، فإقفال مؤسسات وتسريح موظفين – أو على الأقل
اقتطاع في المرتبات- وتخلف عن التمويل للموردين وفقدان ثقة معمرة للتاجر
اللبناني، وعجز في القدرة على سداد الضرائب والمتوجبات الرسمية إلى أجل غير
مسمى، وتدهور في قيمة الليرة وفي القدرة الشرائية، ولا بصيص أمل في الأفق”
ويأتي كل ذلك في ظل “في غياب أي برامج أو خطوات حكومية مطمئنة”. وعليه، لا
بد من الإضراب والإقفال التام “أيام الخميس والجمعة والسبت 28-29-20 تشرين
الثاني”.
ما يقوله شماس صحيح، لكن حبذا لو لم يصدر عن لسانه، لأن الامتعاض من
نتائج سياسات خدمت شماس وقطاعه والهيئات الاقتصادية عموماً، لسنوات، هو أمر
غير مبَرَّر. فغياب البرامج والخطوات الحكومية المطمئنة، هو حال مستمر منذ
نحو 30 عاماً، ولم يتحرك الشماس وقطاعه رفضاً لهذا الغياب، بل على العكس،
كان شماس طرفاً في الصراع بين الشعب والسلطة، ووقف مراراً ضد تحركات
اللبنانيين الرافضة للنهج السياسي والاقتصادي للحكومات المتعاقبة.
وللتذكير،
رفض شماس في العام 2015 تحويل سوق الوسط التجاري الى سوق “أبو رخوصة”، وكل
ما في الأمر أن المتظاهرين حينها افترشوا “بسطات” رمزية لبيع مأكولات
مصنوعة في المنازل، للتعبير عن أن وسط بيروت تاريخياً هو وسط تجاري لكل
اللبنانيين، وليس لفئة محددة من الأثرياء وأصحاب رؤوس الأموال، واعتراضاً
على السياسات الاقتصادية التي حوّلت وسط بيروت الى محمية اقتصادية لأقلية
رأسمالية. لذلك، من هاله نزول مواطنين إلى وسط عاصمتهم، معتبراً أن وجودهم
في تلك “المحمية”، تهديدٌ للأمر الواقع الذي فُرِضَ بعد الحرب عن طريق
أصحاب مشروع “سوليدير”، لا يحق له التململ من تلك السياسات.
الانتفاع من الأزمة
السياسات
الاقتصادية التي التزمت بها الحكومات تلازمت معها سياسات مصرف لبنان من
الجانب النقدي، وكان شماس “مدافعاً شرساً عن سياسات مصرف لبنان خلال 25
سنة، مع أن هذه السياسات أوصلت القطاع التجاري إلى المأزق الحالي”، حسب
الخبير الاقتصادي ايلي يشوعي، الذي يلفت النظر في حديث لـ”المدن”، إلى أن
“عدم انتقاد شماس والهيئات الاقتصادية لسياسات مصرف لبنان وسياسات
الحكومات، ساهم في تراجع النمو والاستثمار وتراكم الديون حتى على القطاع
الخاص”.
الانتفاع من الأزمة لسنوات، تحوّل إلى رفض حين تراجعت أرباح القطاع التجاري والهيئات الاقتصادية، لكن الرفض “تأخر كثيراً”. والإضراب الذي دعا إليه شماس “هو اعتراف بأنه كان ضد نفسه حين أيّد تلك السياسات، لكن ماذا ينفع الاعتراض اليوم؟ الأجدى الاعتراض في السابق على سياسات الفوائد المرتفعة”.
في السياق نفسه، رفض يشوعي محاولة شماس إلقاء جزء من المسؤولية على إقرار سلسلة الرتب والرواتب، فالملامة الحقيقية يجب أن توجَّه الى السلطة السياسية التي “وظّفت نحو 5 آلاف شخص خلافاً للقانون واعطتهم سلسلة الرتب والرواتب بصورة غير مدروسة”. وبرأيه، فإن “السلسلة حق للموظفين”.
يستسهل مؤيدو السلطة من أهل الهيئات الاقتصادية إلقاء المسؤوليات على الحلقة الأضعف، سواء من المواطنين اللبنانيين أو النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين. فالسلطة وأتباعها يبحثون دائماً عن كبش فداء، ولا يجدون حرجاً في خلق شارع مقابل شارع، اقتصادياً وأمنياً. فشماس وقف مع الحكومات التي ينتقدها اليوم، حين واجهها الشعب مطالباً بحقوقه وبسلسلة الرتب والرواتب. والسلطة حين ضاق الخناق عليها من خلال تظاهرات 17 تشرين الثاني، حرّكت شارعها ضد المتظاهرين وحمّلتهم مسؤولية تدهور الأوضاع الاقتصادية وارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة.
المدن