حزب الله ينتظر واشنطن وطهران: التفاوض على بغداد وبيروت
أطلق مسؤولون في حزب الله، من بينهم رئيس المكتب السياسي،
السيد ابراهيم أمين السيد، مواقف لافتة تتصل بالموقف الأميركي من عملية
تشكيل الحكومة. وقد قال السيد: “معلوماتنا تقول بعدم وجود فيتو أميركي على
وجودنا في الحكومة”. جاء هذا الكلام ردّاً على ما يشاع دوماً، محلياً، حول
رفض الأميركيين تسهيل تشكيل الحكومة، واشتراطهم استبعاد حزب الله منها.
شكوك حزب الله
تصريح
السيد بدا كما لو أنه امتحان للموقف اللبناني والدولي، وربما لاستدراج
الأميركيين إلى إعلان موقف واضح مما يجري. وكذلك يهدف إلى إحراج الحريري،
الذي ينظر إليه حزب الله ورئيس الجمهورية بتساؤلات كثيرة حول تصلبه. فما أن
يتم الوصول معه إلى نقطة مشتركة، حتى يفرض شروطاً جديدة، وفق ما يقولون.
ثمة شكوك لدى حزب الله أن هناك رغبة دولية في عدم تشكيل الحكومة اللبنانية حالياً. ولذلك أُطلق هذا الموقف لحشر الحريري. فإذا تساهل، ينجح الحزب بتمرير الحكومة. وإذا استمرّ على تعنّته يعني أنه يرضخ للضغوط الأميركية، أو على الأقل ينجح الحزب في تصوير الحريري على أنه يعرقل تشكيل الحكومة لأسباب ودوافع خارجية. ولذلك، منذ اليوم الأول، يعمل حزب الله والتيار الوطني الحرّ على إشاعة أجواء إيجابية، والحديث عن إحراز تقدّم من قبل مرشّحيهم لتشكيل الحكومة، وفيما بعد تتعرقل المساعي بعد رفض الحريري القبول بها.
وهنا، يتناسى عون وباسيل وحزب الله الشروط القاسية التي يفرضونها، ويستحيل على أي رئيس للحكومة الموافقة عليها.
التفاوض مع الحريري
لدى
سؤال المطلّعين على قرار حزب الله، عن حقيقة موقف السيد، يجيبون أن هذا
الكلام مبني على التواصل بين الحزب والحريري، الذي لم يعلن عن أي إشارة
تتعلق برفض الأميركيين مشاركة حزب الله في الحكومة. بمعنى أنهم لم يتلقوا
أي اعتراض أميركي. لا بل أكثر من ذلك، يشيرون إلى أن الحريري عرض عليهم
تسمية وزراء لهم في الحكومة الجديدة، إنما بأسماء ووجوه جديدة. ويقولون أن
مشكلة الحريري هي مع باسيل وليس معهم. وانطلاقاً من هذا الموقف، يعتبر
الحزب أن الأميركيين غير معارضين لمشاركته في الحكومة.
لكن، أيضاً، لا يخفي حزب الله أن الحريري بعكس الموقف الذي
يبلغهم إياه، يبلغ باسيل أن ليس لديه مشكلة معه بل مشكلته مع حزب الله
ووجوده في الحكومة. هذا التضارب في موقف الحريري، يدفع الحزب إلى رصد كل
الاحتمالات، واعتبار أن ما يجري هو إطالة الأزمة لأكثر وقت ممكن، مع فرض
شروط معينة، كمحاولة استبعاد الحزب من الحكومة أو إخراج باسيل منها، او
اتهام الحزب بأنه هو الذي يعرقل تشكيلها. كما هناك تقدير أن الطروحات
الحالية باستبعاد الحزب من الحكومة، لها أبعاد أخرى غير معلومة حتى الآن.
ربط لبنان بالعراق
يعتبر
الحزب أن الجميع في مرحلة تحسين شروطه، خصوصاً أن القوى على اختلافاتها
بحاجة إلى بعضها البعض. وهناك استبعاد أن يلجأ الحزب إلى تشكيل حكومة من
لون واحد. فلن يتجرأ أي شخص سنّي على القبول بتشكيل حكومة بهذه الطريقة، كي
لا تتكرر معه تجربة محمد الصفدي. بينما يتشدد رئيس الجمهورية في ضرورة
إجراء استشارات وتكليف الشخصية التي تحظى بأكبر قدر من الأصوات. لكن حينها
لن تتمكن هذه الشخصية من تشكيل حكومة، طالما يغيب التوافق، الذي لا يزال
حزب الله يتمسك به. أي إجراء من نوع تكليف شخصية بتشكيل الحكومة وحسب،
سيكون جزءاً من الردّ على “دلع” الحريري. بمعنى إدخال شخصية جديدة إلى نادي
رؤساء الحكومات، ليتحول الحريري إلى مصرّف للأعمال فقط.
ينظر حزب الله إلى ما يجري في لبنان بالترابط مع الأحداث والتحولات الإقليمية والدولية. لا يفصل الثورة هنا عن ثورة العراق. ويضعها في خانة المؤامرة. ولذلك يتعاطى معها على هذا الأساس كجزء من سلّة متكاملة ستكون خاضعة لمفاوضات إيرانية أميركية. ولذا، لم يبد أي استعداد لتقديم أي تنازل: “ما رفض الحزب تسليمه بالحرب والتهديد، لن يسلّمه تحت وطأة الإحتجاجات الشعبية”. لذلك، تتركز الرهانات من قبل القوى السياسية على ما سيحصل في الخارج، وإلى أين ستتجه الأمور بين الإيرانيين والاميركيين. ويعتبر البعض أن تصريح السيد، وغيره من مسؤولي الحزب حول الموقف الأميركي، يتصل بتطورات في كل المنطقة، قد تدفع الأميركيين إلى تغيير موقفهم، وإعادة تجديد التسوية في لبنان، بما يخدم وجهة نظر حزب الله.
وهنا تشير المصادر إلى وجود تعاون أميركي إيراني في
أفغانستان، تجدد في الأيام الماضية بعيد زيارة دونالد ترامب المفاجئة إلى
هناك. فترامب يريد سحب قواته بشكل آمن، ويحتاج إلى تعاون الإيرانيين.
وبالتزامن مع زيارة ترامب، كان هناك وفد من طالبان يزور إيران. وفي جانب
آخر من هذا التقاطع، لا يمكن إغفال الملف اليمني، والمفاوضات السعودية
الحوثية، التي تعتقد إيران أنها ستصب في صالحها وصالح حلفائها.
في حوافز الانتفاضة
يبقى
المعطى الأخير هو تعالي القوى السياسية وإنكارها حقيقة ما يجري في الشارع.
الجميع يعتبر أن الثورة ستُخمد فور الوصول إلى تسوية إقليمية دولية. ويظن
حزب الله أن لديه أوراق قوة تمكّنه من العودة قوياً، عبر تجديد تسوية العام
2016. وهو حالياً يمتلك أوراق القوة في الجنوب وبما يتصل بترسيم الحدود
وأمن إسرائيل. فلا يمكن لواشنطن أن تحقق ما تريده من دون إيران. وبالتالي،
“التوافق” سيعيد حظوة وصاية الحزب على لبنان.
والمأساة أن ما ترفض القوى السياسية الاعتراف به، هو أن أسباب اندلاع الثورة أعمق بكثير من حسابات السياسة الإقليمية، بل وجزء كبير من حوافز الانتفاضة نابع من إدارة السياسة وفقاً للحسابات الإقليمية. وحالة الإنكار التي عاشتها القوى السياسية منذ انطلاق الانتفاضة تستمر في كيفية التعامل مع الانهيار المالي والاقتصادي والمعيشي. وهم يعلمون أن أي تسوية لن توقف الكارثة.
المدن