ديفيد هيل يريح حزب الله ويعوّم جبران باسيل
إصرار رئيس الحكومة المكلف، حسّان دياب، على تشكيل حكومة
اختصاصيين ترضي مطالب الناس، وتحظى بثقة المجتمع الدولي، أمر ليس بسيطاً،
خصوصاً أن حزب الله والتيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية، تراجعوا عن مبدأ
الحكومة التكنوسياسية، وإن كان “الاختصاصيون” من اختيار الأحزاب. كسب حزب
الله والتيار الوطني الحرّ في السياسة عبر تسمية رئيس الحكومة من
اختيارهما، لكنهما أيضاً قدما تنازلات “شكلية” بالموافقة على حكومة
اختصاصيين. وهذا ربما ما أدى إلى تراجع زخم التحركات والاحتجاجات. فأصبحت
الناس بحال انتظار للحكومة قبل الحكم عليها.
لقاءات هادئة
تعامل
حزب الله والتيار الوطني الحرّ بواقعية مع الضغوط الخارجية والمحلية. فهما
ادعيا الانتصار بما حققاه، لكنهما أيضاً قدما تنازلات لصالح مطالب
الانتفاضة، التي كانا يسيئان إليها إما باتهامها بالارتباط بسفارات، أو حتى
باتهام “الجامعة الأميركية” بانها تحرض اللبنانيين، وها هما يسندان تكليف
رئاسة الحكومة لأستاذ في الجامعة الأميركية!
حسب المعلومات، فإن النقاش حول شكل الحكومة العتيدة، يتركز على أن تكون مصغرة وتضم اختصاصيين، أغلبيتهم من المستقلين. وهذا بحد ذاته تراجع من قبل القوى السياسية. وطبعاً، هو تحسّب من قبلهم لأي انفجار قد يحصل لاحقاً، وهروب من أي إنهيار، كي لا يتحملوا المسؤولية بأنفسهم بل يلقونها على “حكومة التكنوقراط”. وأنها لم تستطع إنجاز شيء ولا مواكبة الأحداث.
ولا يمكن فصل هذه التفاصيل، عن زيارة مساعد وزير الخارجية
الأميركي ديفيد هيل، وفحوى اللقاءات التي عقدها مع مختلف المسؤولين
السياسيين، التي تُظهر أن كل ما كان يتم بثّه قبل أيام على زيارته من قبل
حزب الله وحلفائه لم يكن دقيقاً. إذ حرص الحزب على الادعاء بأن هيل سيأتي
لدعم الانتفاضة وإشعال الاحتجاجات مجدداً، ولفرض الشروط والإملاءات
الأميركية. بينما عملياً كانت الإملاءات قد تحققت قبل مجيئه. ولقاءاته كانت
هادئة ومحط ارتياح لدى رئيس الجمهورية، ولدى وزير الخارجية جبران باسيل،
خصوصاً أن المعلومات تفيد بأن لقاء هيل باسيل الذي استمر لأكثر من ساعتين،
وتخلله غداء كان استكمالاً للقاء هيل برئيس الجمهورية والبحث بتفاصيل
كثيرة.
في منزل باسيل
وبخلاف كل التسريبات، التي تحدثت عن
أن هيل لن يلتقي باسيل، فقد زاره في منزله. صحيح أن آخر زيارة لهيل سابقاً
لم يلتق خلالها باسيل. وهذا ما دفع رئيس الجمهورية خلال زيارة وزير
الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى لبنان عدم مصافحته، من ضمن عداد الوفد
الأميركي، إلا أن باسيل حرص على ردّ اعتباره بدعوة هيل إلى منزله، وتلبيتها
من قبل الزائر الأميركي. وتقول المعطيات أن اللقاء كان إيجابياً. وهنا، لم
يكرس باسيل نفسه كمحدد أساسي لاختيار رئيس الحكومة المكلف حسان دياب، بل
ظهر وكأنه لا يمكن استثناءه من مناقشة الملفات اللبنانية، من قبل المسؤولين
الدوليين، وليس بصفته وزير خارجية فقط. فرمزية الزيارة إلى المنزل لها
دلالاتها، وتبدد كل ما قيل سابقاً عن عدم عقد باسيل للقاءات خلال زياراته
الأميركية. الأكيد أن أمراً ما قد تغيّر، وهو لا ينفصل عن زيارة باسيل قبل
فترة إلى الفاتيكان ولا إلى جنيف، وحتى مشاركته في أحد المنتديات في دولة
قطر، والتي قد يكون استفاد منها كلها لترتيب بعض اللقاءات الدولية.
مقايضة مع حزب الله
وبناء
عليه يمكن الاستنتاج أن تكليف حسان دياب وشكل الحكومة التي يُحكى عن
تأليفها، ربطاً بالارتياح اللبناني حيال زيارة هيل ومواقفه، أن ثمة تواطؤاً
معيناً. وهذا يمكن قراءته من خلال شكر رئيس الجمهورية للولايات المتحدة
الأميركية على مساعدتها للبنان، وفتحه لموضوع ملف ترسيم الحدود. هنا
بالتحديد مربط الفرس. يريد الأميركيون إنجاز ترسيم الحدود، والتنقيب عن
النفط بما لا يضر في مصالحهم، وضمان أمن إسرائيل، خصوصاً فيما يخص الصواريخ
الدقيقة لدى حزب الله. وهذه كلها بلا شك ستكون محل نقاشات في المرحلة
المقبلة. ليبدو الأمر وكأنه مقايضة، بين تشكيل حزب الله لحكومة اختصاصيين
قرارها بيده، و”ترضي الشارع”، ودوام إمساك الحزب بالقرار السياسي اللبناني،
مقابل التفاوض على هذه النقاط الثلاث، ربطاً بالاستقرار طبعاً، الذي يمثلّ
إهتماماً أميركياً وأوروبياً.
العقوبات والفاخوري
وما
قاله هيل حرفياً، حسب ما تنقل مصادر متابعة: “أنا آت من قبل الوزير بومبيو
للمتابعة، لأن لبنان يعنينا جداً ولن نتخلى عنه أبداً، وفيما يخص ما يجري
من تطورات وتشكيل الحكومة نحن لا نتدخل بأسماء ولا بوزراء، الأهم هو تأمين
استقرار أمني وسياسي”. وعن الرئيس المكلف حسان دياب قال: “أنا أعرفه منذ
كنت سفيراً في لبنان وتعاونّا سوياً”. وأشار هيل إلى أن لا علاقة لبلاده
بالحراك. ولكن هناك تأييد لمطالب الناس بالإصلاح وبضرورة التعبير عن الرأي،
وضرورة تلبية مطالب المواطنين.
وقد أصر هيل على فتح موضوع العميل عامر الفاخوري خلال لقائه مع رئيس الجمهورية ومع باسيل، معتبراً أنها قضية شخصية تعني الرئيس ترامب، ويأمل أن لا تتحول إلى مشكلة بين أميركا ولبنان. كما تحدث حول ترسيم الحدود ووجوب حلّ المشكلة، لأن ذلك سينعكس سلباً على لبنان. ويقول ان العقوبات مستمرة وسياستها تنفصل عن الأمور الأخرى، ما يعني ضمناً أن الأميركيين سيتعاطون حالياً مع الحكومة كأمر واقع، للحكم على أدائها فيما بعد. وهذا بلا شك يرتبط بملفات وحسابات سياسية عديدة، لن تكون لبنانية فقط. وإذا ما حصل تقاطع معين حالياً، فهو قد يتبدد لاحقاً ويعيد التأزم السياسي، ويزداد السوء الاقتصادي، خصوصاً أن لا حلول سريعة.
“الانفتاح” على سوريا!
يُعرف هيل أنه من الجناح الهادئ في الإدارة الأميركية، وليس من صقور المواجهة. وثمة رواية تروى عنه أيام كان سفيراً في لبنان، أنه ذات مرة وبحكم علاقته الوثيقة والوطيدة برئيس تيار المردة سليمان فرنجية، حاول دعمه للانتخابات الرئاسية. لكن هذا الأمر لم يكن بطلب من وزارة الخارجية. وهناك من يقول إن خطوته هذه لم تكن منسقة مع إدارته، ما أدى إلى وقوع خلاف في إدارة الخارجية، فاستُدعي على إثره. وبالتالي، هدوء هيل قد يقابله تشدد من قبل مسؤولين آخرين. فحين كان يؤيد خيار فرنجية، كان توجهه براغماتياً أيضاً، ويتصل بظن أن فرنجية قادر على تأمين مصلحة أميركا بالانفتاح على سوريا. يعمل أصحاب هذا الرأي في الإدارة الأميركية على هذا الخطّ مجدداً، بينما يعارضهم آخرون. وربما خيار حسان دياب في هذه المرحلة يتلاقى مع المساعي لإعادة انفتاح لبنان على سوريا ونظام بشار الأسد، وإن كان لا يجوز إغفال الضغوط على النظام السوري، خصوصاً بعد إقرار قانون قيصر، ومعاقبة كل المتعاملين مع النظام، أو الذين يتعاطون معه. وهذا سينسحب على الراغبين بـ”إعادة الإعمار” في سوريا بالشراكة مع الأسد.
منير الربيع – المدن