خطاب نصرالله والرسالة الأميركية: سنة دموية قبل الصفقة
أجرى أمين عام حزب الله، السيد حسن نصر الله، عملية تعبوية مركّزة، رداً على عملية اغتيال قائد فيلق القدس، قاسم سليماني. في تعبويته، أصرّ نصر الله على تحويل اغتيال سليماني إلى انتصار جديد لمحور المقاومة! باستعادة معادلة انتصار الدم على السيف، وتشبيه اغتيال سليماني بقتل الإمام الحسين وأهل البيت. وهذه يقصد منها التوجه إلى البيئة الحاضنة لشد عضدها ورفع معنوياتها وتحشيدها. أما الأساس فيبقى للنتائج السياسية المراد تكريسها ما بعد هذه العملية. وهي حتماً بالنسبة إلى الحزب تتعلق بتحقيق إنتصار سياسي للمحور الذي ينتمي إليه.
إغتيال سليماني يدشن دخول منطقة الشرق الأوسط في مرحلة جديدة.
مرحلة مختلفة عن المعارك العسكرية، التي كان يقودها سليماني في دول هذه
المنطقة، لتوسيع النفوذ والإيراني وتكريسه. والابتداء بمرحلة قطاف الثمار.
أما العمليات العسكرية فقد اختصرها نصر الله في الرد على اغتيال سليماني
باستهداف القواعد العسكرية الأميركية والجنود الأميركيين في المنطقة. وقد
ذكّر الرجل بمراحل تاريخية من هذه المواجهات، التي دفعت الأميركيين إلى
الانسحاب غامزاً من قناة تفجير السفارة الأميركية في بيروت ومقر المارينز،
مطلع الثمانينات.
تحييد لبنان
اعتبر نصر الله حادثة مقتل
سليماني بداية مرحلة جديدة في المنطقة كلها، أو هو تاريخ جديد. ويختصرها
بعنوان مواجهة الوجود العسكري الأميركي. لكن، وفق كلام نصر الله والأهداف
التي حددها، فإن هذه المعارك لن تشرك لبنان هذه المرة، وحالياً على الأقل،
لأن ليس فيه قواعد عسكرية أميركية. وهناك قرار في تحييده. ولن يكون ساحة
مواجهة. إنما قد يكون ساحة الإسناد والدعم، وممراً للمواجهة. والحال هكذا،
ستجعل حزب الله، بالتأكيد، يسرّع في تشكيل حكومته في لبنان. وسيعلن حرباً
إعلامية على واشنطن من لبنان. وقد يتشدد في مطالبة السلطات اللبنانية
بإخراج الأميركيين الموجودين في لبنان داخل قواعد تابعة للجيش اللبناني.
وطبعاً، هذا الموقف لا ينفصل عن توجيه رسائل مباشرة للداخل
اللبناني. وتتعلق بمشروع العداء لأميركا. ما قد يعزز الانقسام الداخلي
اللبناني. وهو ما ألمح إليه نصر الله قائلاً أن هذه العناوين هي محطّ خلاف
قديم ومستمر. ما سينعكس تشدداً سياسياً لحزب الله في لبنان مع حلفائه أو
خصومه، أو أي جهة سياسية تحاول معارضة خياراته وتوجهاته.
فحوى الرسالة عبر سويسرا
وفق
ما تشير المعلومات، وبعد اغتيال سليماني، سلمت الولايات المتحدة الأميركية
عبر سويسرا رسالة رسمية إلى إيران، ومضمونها متفق عليه بين الولايات
المتحدة الأميركية والأمم المتحدة، وفيها مقترح مقدم للإيرانيين
والعراقيين، بأن يتم إصدار قانون لإخراج القوات الأميركية من العراق. هذا
العرض الأميركي قدّم للإيرانيين عبر سويسرا، لتجنب الردّ التصعيدي على
اغتيال سليمانيز وهذا يؤكد أن اغتيال سليماني كان يهدف إلى فتح صفحة جديدة
في منطقة الشرق الأوسط.. تفتتح بمفاوضات غير مباشرة بين الإيرانيين
والأميركيين.
وعلى هذا الأساس، سارع البرلمان العراقي إلى إقرار الخروج الأميركي من العراق. ولذلك أيضاً سارعت إيران لإعلان هذا العنوان كرد على سليماني، بما يسمح لها لاحقاً إعلان “الانتصار”. والقرار سيحتاج إلى سنة لتنفيذه، ما يعني أن التوترات في المنطقة ستستمر طيلة هذه السنة، من بينها استهداف المصالح الأميركية، ضمن لعبة تسجيل النقاط، بانتظار ترتيب الأوضاع ومعرفة نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية، والتي بعدها سيتبلور الاتفاق النووي الجديد بين واشنطن وطهران.
سيأخذ الإيرانيون مداهم في تجنب المواجهات العسكرية التقليدية
والمباشرة، سواء بينهم وبين الأميركيين أو بين حزب الله وإسرائيل. وستكون
الوجهة المقبلة هي عمليات متنقلة بين سوريا والعراق، عبر حلفاء إيران.
المشهد اللبناني
وكما
أدى اغتيال الحريري في لبنان إلى إخراج الجيش السوري من لبنان، وتسليمه
للإيرانيين عبر حزب الله، فإن نتيجة اغتيال سليماني ستكون خروج الجيش
الأميركي من العراق، مقابل أن تثبت طهران نفوذها وقوتها هناك.
الأهم من كل التفاصيل اللبنانية بالنسبة إلى حزب الله، هو كيفية التعامل مع الملفات برمتها، خصوصاً ان الحزب ترك الحرية في تشكيل الحكومة لحليفيه الرئيسيين رئيس الجمهورية، ورئيس التيار الوطني الحرّ، اللذين كانا يجريان المقابلات واللقاءات لتسمية الوزراء واتخاذ القرارات المناسبة بشأن من سيسمونهم. أي أن الحزب كان يتعالى عن هذه التفاصيل ويوكلها لحلفائه، لأن اهتماماته ستكون أبعد من ذلك، بعد تكريس وصايته. وفي هذه التجربة ستتكرر تجربة الوصاية السورية مع حلفاء النظام ما قبل 2005 الذين كانوا يسيطرون على كل شيء على حساب خصومهم.
المدن