هل ربح جعجع أم خسر؟
داني حداد – موقع mtv
سيتسرّع كثيرون في الإجابة على السؤال المطروح في العنوان. من يناصر سمير جعجع سيردّ إيجاباً، وسيعلنه منتصراً، ربما وحيداً بين السياسيّين في مرحلة ما بعد 17 تشرين. ومن يخاصم الرجل سيضيف خسارته الى سلسلة من الهزائم، برأيه، في الميدانَين العسكري والسياسي.بين الخيارَين، قد يكون البحث المنطقيّ مفيداً.
واصل رئيس حزب القوات اللبنانيّة سمير جعجع خرقه الشعبي. يعرف كثيرون، ومنهم الخصوم، ويعترفون، بأنّ شعبيّة “القوات” الى اتّساع في صفوف المراهقين والشباب، بالمقارنة مع الأحزاب والتيّارات الأخرى المصنّفة مسيحيّاً. خطاب “القوات” أكثر جاذبيّة لهذه الفئة، والأمر ليس جديداً ولا مفاجئاً. إلا أنّ الجديد الذي برز في انتخابات العام 2018، وهو مستمرّ، تمكّن “القوات” من كسب تأييد قسمٍ كبير من المسيحيّين المعتدلين، أبناء الطبقتين الوسطى والغنيّة، والمثقّفين غير الحزبيّين ومعظمهم كان يؤيّد، في مرحلة ما بعد العام 2005، الرئيس ميشال عون وتيّاره السياسي.ليست الأصوات التي نالها بعض مرشّحي “القوات” هي أصواتهم فقط، بل أيضاً أصوات هذه الفئة من الناس التي بات يجذبها خطاب جعجع، لأكثر من سبب. الرجل أقلّ تقلّباً وأكثر ثباتاً من كثيرين، ويبدو، غالباً، منسجماً بين ما يقول وما يفعل، ولو أنّ خيار عدم تسمية سعد الحريري لتشكيل الحكومة، على سبيل المثال، كان خياراً شاقّاً.ما سبق كلّه يجاور المنطق، ولكن، قد يقول قائلٌ، بمنطقٍ أيضاً، إنّ هذه الشعبيّة المكتسبة لن تُصرف قبل الانتخابات النيابيّة، وهذه بعيدة، في العام 2022، وحتى ذلك التاريخ يخلق الله ما لا تعلمون.أما في حسابات اليوم، برأي الخصوم، فقد خرج جعجع من الحكومة ومن الشراكة في العهد، وهذه كانت صوريّة أصلاً ولم تعمّر سوى أشهر قليلة. ثمّ إنّ طبيعة قانون الانتخاب لا تتيح لجعجع أن يحقّق إضافةً كبيرة على أعضاء تكتّله، حتى إن تصاعد عدد الناخبين المؤيّدين للوائحه، خصوصاً إن استمرّت العلاقة سيئة مع سعد الحريري.هل خسر جعجع إذاً، في حسابات مرحلة ما بعد 17 تشرين؟لا يمكن اعتبار البقاء خارج الحكومة، في هذه المرحلة الداخليّة والخارجيّة، خسارةً. تحتاج الحكومة الى معجزة كي تنجح، ويحتاج البلد الى عجيبة كي يخرج من القعر. حتى جبران باسيل، المشارك والداعم والمسمّي في هذه الحكومة، ينآى بنفسه عن الالتزام بها كي يتجنّب تحمّل مسؤوليّة فشلها لاحقاً.ولكن، على جعجع ألا يكتفي بانتظار مرور جثّة الحكومة، بل عليه أن يبادر. وعليه أن يكون أكثر وضوحاً في بعض المواقف، ولو استلزم الأمر حدّاً أقلّ من الديمقراطيّة داخل “الجمهوريّة القويّة”، فلا يعلَن، مثلاً، عن مشاركة أعضاء التكتل في جلسة إقرار الموازنة ثمّ يُتّخذ قرار المقاطعة بعد منتصف الليل.من الطبيعي أنّ صدمة 17 تشرين تحتاج الى تروٍّ، ولكنّ الصورة التي بناها جعجع لنفسه، منذ خروجه من السجن، تحتاج الى صيانةٍ دائمة. ومن هنا الحاجة أيضاً الى عدم الرهان على الخارج بشيء. لا على سقوط بشار الأسد، وهذا ما لم ولن يحصل. ولا على دعمٍ أميركي، والاعتماد على ذلك كمثل انتظار تساقط المطر في تمّوز. قد تصيب مرّة وتخيب سنوات. ولا على عنايةٍ خليجيّة، بينما أهل الخليج سئموا شؤون لبنان ومسلسل أزماته.وحذارِ، خصوصاً، الوقوع في الفراغ السياسي بعد الخروج من الحضور الحكومي الفاعل. المؤتمر الصحافي للنوّاب في الأسبوع الماضي محاولة جيّدة. ولكن، ماذا بعده؟