هل “تطير” الدولارات إذا سقطت الحكومة؟
في بداية الشهر الجاري تصاعدت إجراءات المصارف وقيودها «اللاشرعية» على عمليات السحب بالدولار الأميركي. إجراءات قد تتصاعد وتيرتها وتنعكس ارتفاعاً في سعر صرف الدولار في السوق السوداء ولدى الصيارفة. الأمر الذي سيؤدّي الى ارتفاع نسبة غلاء الأسعار وانقطاع المواد الاستهلاكية الأساسية، خصوصاً إذا سقطت «حكومة مواجهة التحديات» عند امتحان نيل الشرعية الشعبية والثقة الخارجية. فلا يبدو أنّ ثقة النواب ستُشكّل فارقاً، إذ إنّ الثقتين الداخلية والخارجية منعدمتان بالطبقة السياسية، وأولى الإشارات الى ذلك، أنّ إقرار البيان الوزاري لم ينعكس إيجاباً على سعر صرف الدولار، ولم يؤثّر في وتيرة ارتفاعه. تعترف غالبية السياسيين أنّ الأزمة التي يمرّ بها لبنان، ليست عابرة بل عميقة وطويلة. ومهما تعددت أسباب الأزمة الإقتصادية ـ المالية ـ النقدية الراهنة، فإنّ منبع كلّ الأزمات هو سوء الإدارة السياسية الذي يتحمّل مسؤوليته كلّ من شارك في الحكم منذ 1990 الى الآن. فالدولة التي أُغرقت مؤسساتها بالفساد وإداراتها بالهدر، وأغرقت نفسها والمصارف في الديون، تفرض على اللبنانيين دفع ثمن سوء إدارتها مراتٍ ومرات، وها هي الآن تنهب ودائعهم المصرفية بطُرقٍ ملتوية، بعدما بذّرت عائدات الضرائب والرسوم والهبات ولم تُحسن استثمارها وتوزيعها. وفي حين تستمر معاناة اللبناني، الذي يقف «مذلولاً ومُهاناً» على أبواب المصارف، منتظراً دوره للحصول على بضعة دولارات كلّ 15 يوماً، يتسابق السياسيون والمصرفيون على «التمريك» بعضهم على بعض، حول «هوية» أصحاب الأموال المُحوّلة أو «المُهرّبة» الى الخارج منذ 17 تشرين الأول 2019، والتي تُقدّر بنحو مليارين و300 ألف دولار أميركي. فلماذا سُمِح بتحويل هذه الأموال؟ ولماذا لا تُكشف هوية أصحابها، خصوصاً بعد كلام رئيس مجلس النواب نبيه بري عن أنّ هذه الأموال تعود الى أصحاب 5 مصارف كُبرى؟ تؤكّد مصادر مصرفية مسؤولة لـ«الجمهورية» أن «لا معلومات عن هويّة أصحاب الأموال المُحوّلة الى الخارج، ولا إثبات على المعلومة التي وصلت إلى بري، والتي قد تكون مغلوطة». وتشير الى «تعذّر كشف هوية أصحاب هذه الأموال وفق قانون السرية المصرفية»، لافتةً الى أنّ «ضغط الشارع والرأي العام يُمكن أن يؤدّي الى تعديل القانون ورفع السرية المصرفية». وتوضح أنّ «هناك فارقاً بين خروج الأموال أو هروبها وبين تهريبها. فتحويلها الى الخارج لا يعني أنّها مشبوهة، وهي تكون مشبوهة حين يكون مصدرها مشبوهاً»، معترفة بـ»ترتّب مسؤولية أخلاقية وأدبية على المصارف في هذا الإطار، فلا يُمكنها تحويل مليارات الدولارات الى الخارج وهي لا تُعطي بقية المودعين أكثر من عشرات الدولارات شهرياً». وتقول: «لكن هذه العملية أخلاقية وأدبية فقط، ولا يُعاقب عليها القانون». وعن آليّة كشف هوية مُحوّلي الأموال الى الخارج، تشرح المصادر أنّ «الجهة الوحيدة المُخوّلة رفع السرية المصرفية والإطلاع على هوية أصحاب الحسابات هي هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان، وفي حالة بروز شبهة تبييض الأموال فقط». ومن هذا المنطلق، ترى المصادر أنّ «على بري التقدّم بالمعلومات والمعطيات التي يملكها في هذا الإطار الى النيابة العامة التمييزية لتطلب بدورها من هيئة التحقيق الخاصة التحقق من الحسابات المشبوهة». وفي حين تحتجز المصارف «دولارات» اللبنانيين، تشير المعطيات إلى أنّ السحوبات بالدولار «ستتوقف نهائياً»، لأنّ ما تبقى من دولارات في المصارف سينفد قريباً. وبالتالي تمارس المصارف «سرقة موصوفة» وعملية «haircut» مُقنّعة، فعِوض أن يقتطع المصرف جزءاً من أموال المودعين، يُعطيهم أموالهم بالليرة اللبنانية وفق سعر الصرف الرسمي للدولار (1515 ل.ل.)، ما يؤدي تلقائياً الى خسارة نحو 30 في المئة من قيمتها، بالنسبة الى سعر صرف الدولار لدى الصرّافين والذي يبلغ كحدٍ أدنى 2000 ل.ل. والذي من المُرجّح أن يرتفع بوتيرة سريعة عند توقّف المصارف عن إعطاء المودعين أيّ مبلغ مالي بالدولار الأميركي. فهل حانت هذه اللحظة؟ وبالتالي هل حان وضع المودع أمام خيارين: إمّا يحصل على أمواله بالليرة اللبنانية أو يُبقي عليها في المصرف؟ تجيب المصادر المصرفية: «الأزمة طويلة وعلينا مواجهتها بصبر وحزم، ولن تحصل بلا وجع». وتعترف أنّ «الأزمة إذا طالت أكثر سيتعذّر على المصارف الاستمرار في دفع الدولار نقداً». وتشدّد على أنّ «الأزمة كبيرة ولا نزال في خضمّها، وقد تخرج يومياً قرارات جديدة لمواجهتها والحفاظ على أموال الناس، ففي كلّ مرحلة نواجه بإجراءات جديدة، لكنّ الثابت دائماً لدى الجميع هو عدم المَس بأموال الناس، فهذه الأموال أساس لاستمرار النظام المصرفي والبلد». «عدم المسّ بأموال الناس»، لا يعني إعطاءهم كلّ أموالهم، كذلك لا يعني إعطاءهم أموالهم الخاصة والمُستحقة بالدولار! ففي حين تؤكّد المصادر أنّ «أموال الناس في أمان»، تعترف أن «لا قدرة على دفعها كاملةً وفوراً، فالناس جميعاً يريدون أموالهم فوراً، والدولة تحتاج الأموال لتستمر ومصرف لبنان يريد تأمين احتياط، والمصارف تعمل لكي لا تصل الى مرحلة الإفلاس». أمّا بالنسبة الى الخطوات المصرفية المستقبلية، فستكون وفق شعار: «إذا لم أتمكّن من إعطائك كلّ أموالك الآن، أؤمّن لك راحتك في معيشتك». وعلى رغم هذه الإجراءات، والخسارة الكبيرة التي يتكبّدها المودع نتيجة الفارق بين سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية بين المصارف والصرّافين، وانعكاسه غلاء فاحشاً بوتيرة متصاعدة، يعتبر «المصرفيون» أن «لا مَسّ بأموال المودعين». أمّا المدخل الى معالجة هذه الأزمة، فهو سياسي، حسب المصادر، التي تقول: «في كلّ دول العالم حين تحصل أزمة نقدية بالعملة الأجنبية، ستنعكس اقتصادياً غلاء أسعار، خصوصاً إذا كان البلد مستورداً، وستزيد الأزمة إذا تصاعدت الأزمة السياسية، أمّا الحلّ فليس سهلاً ويحتاج الى ارتياح سياسي ورؤية سياسية وإيجابية سياسية. والمدخل الوحيد الى الحلّ الآن يكمن في أن تتمكّن الحكومة الجديدة من تأمين إطلالة سياسية مريحة على الخارج ونَفَس إيجابي، وأن تنجح في استعادة الثقة».
الجمهورية