“كورونا” وإجراءات معبر المصنع: موظفان لا يعرفان مهمتهما
لوسي بارسخيان – المدن
بعد مطار رفيق الحريري الدولي، تشكل الحدود البرية للبنان، وخصوصاً معبر “المصنع” في شرق لبنان، أحد شرايين العبور الأساسية بين لبنان والعالم العربي، عبر سوريا.. ومع استفحال أزمة “كورونا” وظهور أول إصابة بالفيروس داخل الأراضي اللبنانية، أضاء وزير الصحة حمد حسن، من خلال زيارة تفقدية لهذا المعبر، على أهمية الخطوات الوقائية التي يجب أن تُتخذ عند هذه النقطة، لتجنيب لبنان مخاطر تسلل “كورونا” إلى الأراضي اللبنانية، خصوصاً إذا ما أخذنا في الاعتبار “كثافة” القادمين عبر معبر المصنع، سواء من المواطنين السوريين الذين يترددون على عائلاتهم المقيمة في لبنان، أو من المشاركين في “حملات” الحج إلى المقامات الدينية في الأراضي السورية.
غرف “الأمن العام”
بدت صياغة الخبر الذي وزع عن زيارة حسن في مواقع التواصل الاجتماعي مطمئنة، لجهة جدية التعاطي مع هذه المهمة المستجدة على وزارة الصحة.. إلا أن “الثقة العمياء” بكلام المسؤولين لم تعد جائزة في لبنان، بعد كل الأزمات التي تورط فيها البلد على أيدي مسؤوليه. ولذلك، كان لا بد من زيارة ميدانية للتثبت من هذه الإجراءات، ومدى نجاعتها في تحصين أحد أهم المعابر البرية للبنان بوجه هذا الوباء المتسلل.
خلال يومين متتاليين من زيارة معبر المصنع، بدا واضحاً أن هناك نمطين أرسيا في التعاطي “وقائياً” مع هذا المرض. الأول للأمن العام اللبناني، الذي فصل عدداً من عناصره الخاضعين لدورات “صحية” إلى مدخل عنبر الوافدين من سوريا، بعد أن حصر الدخول إليه بباب واحد، عنده يعمل عنصران على الأقل على أخذ حرارة كل وافد قبل إنجاز معاملته. وبالتالي، ما كان تعطل أحد جهازي قياس الحرارة عائقاً أمام استمرار العمل لساعات النهار الطويلة، بعد أن توزعت المهمة على ثلاثة دوامات من الصباح إلى المساء.
في هذه الأثناء كانت التعليمات المعطاة عند التشكيك بأي حالة ارتفاع في الحرارة، على مرافقة الوافد إلى أحد غرفتي “العزل”، اللتين جهزهما الأمن العام اللبناني. وهي غرف لا يمكن تسميتها بغرف حجر، ولكنها تسهم بعزل المريض عن باقي الوافدين، ريثما يحضر طبيب ويعاين حالته، ويقرر ما إذا كان هناك حاجة لنقله إلى مستشفى “الياس الهراوي” مؤقتاً، أو إلى قسم العزل المخصص لمرضى كورونا في مستشفى رفيق الحريري، وذلك أيضاً بواسطة سيارة إسعاف تابعة للأمن العام اللبناني، أو بالاستعانة بالصليب الأحمر اللبناني، إذا كانت الإصابة مؤكدة.
لا طبيب ولا ممرض
في المقابل، فإن تعليمات وزير الصحة، وفقاً لما نقل عنه منذ يوم الأحد، كانت تقضي بتعيين متخصصين أيضاً من وزارة الصحة، يشاركون بالكشف على الوافدين، بالإضافة إلى طبيب لمعاينة الحالات المشكوك بها.
لدى زيارة معبر المصنع يوم الثلثاء، لم يكن يتواجد في نقطة المصنع أي طبيب طيلة النهار، ولا حتى ممرض من قبل وزارة الصحة.. ومع أن حراك الوزير الإعلامي بدا مطمئناً، لجهة إعلان حالة طوارئ في تعيين الفريق المتخصص بإدارة هذه المشكلة على المعابر، قيل لنا، أن قرارات تعيين فريق وزارة الصحة ستصدر خلال النهار، أي بتأخير يوم آخر، على أن يبدأ هذا الفريق بتأمين الدوام والمناوبة بدءاً من يوم الأربعاء.
غادرنا المكان، على أمل أن يحمل هذا التباطؤ في “الإدارة الوقائية” لمرض كورونا عند معبر المصنع، إجراءات أكثر جدية تعوض ما فات الوزارة من جهد وقائي مطلوب في الأيام السابقة.. ولكن مرة أخرى، بدت المهمة ملقاة في شقها الأكبر على عاتق عناصر الأمن العام اللبناني، حتى بعد أن أوفدت الوزارة موظفين من قبلها بالإضافة إلى طبيب.
بالنسبة للموظفَين لم تكن واضحة المهمة المطلوبة منهما، فقد أرسلا من دون تحديد مهمتهما، وهما بالأساس كما أكدا ليسا ممرضين، إنما أحدهما إختصاصية IT (معلوماتية) والآخر يقوم بنقل اللقاحات من بيروت إلى البقاع. لم يجهز الموظفان بآلة لقياس الحرارة، ولا حتى بمنشور توعوي حول كورونا يقدمانه للوافدين. وكل ما قيل لهما أن يذهبا ويلتحقا بمركز لتلقيح الأطفال في منطقة المصنع، على أن تتدبر لهما الموظفة المسؤولة عن إيفادهما، عبوراً يومياً لا يحتاج إلى تسجيل دخولهما ومغادرتهما الأراضي اللبنانية، طالما أن عنبر الوصول إلى لبنان يقع خلف عنبر الجمارك.
لا مدفأة ولا بطارية
لا يعرف الموظفان ما إذا كان آخرون سيعينون لتأمين دوامات مختلفة في المركز خلال النهار، علما أن أحدهما ستخضع أيضاً لعملية جراحية قد تضطر على أثرها للتغيب لفترة.
أما الطبيب، فكاد يصاب في ساعات النهار الأولى بإنفلونزا البرد، لولا تدخل أحد عناصر الأمن العام لتأمين مدفأة له، في المركز الذي قام الأمن العام بتجهيزه أيضاً.. ولدى محاولتنا استفسار الطبيب عن إجراءات الوزارة، أصر على طمأنتنا أن كل شيء على ما يرام، وأن الوزارة باشرت بمهمتها قبل أيام، حتى بعد أن واجهناه بحقيقة أن أي طبيب لم يكن موجوداً في النقطة قبل يوم واحد فقط.
عند حصولنا على إذن بالتقاط الصور للإجراءات المتخذة، انضم موظفا وزارة الصحة إلى عناصر الأمن العام، والتقط أحدهما واحداً من جهازي قياس الحرارة، ولكن بطاريته كانت قد بدأت تنفذ، ولم يتسن للموظفة حتى بأداء المهمة على سبيل تمضية الوقت “الفارغ” الذي تمضيه هنا، فيما لسان حال الموجودين في المكان يطالب بالإضاءة الحقيقية على هذا الواقع، علّ ذلك يشكل حافزاً لتحسين الأداء في الأيام المقبلة.