القرارات المتأخرة والمواصلات الارضية سببان لإنتشار “كورونا”…
البروفسور غسان سكاف *
القرارات الحكومية المتأخرة ووسائل المواصلات الارضية
سببان رئيسيان لإنتشار وباء كورونا في أوروبا الغربية واميركا
منذ اواخر كانون الاول 2019 ظهر فيروس COVID -19 في مدينة ووهان في الصين قبل أن ينتقل الى أرجاء العالم , وحصد حتى اليوم أكثر من 700 ألف مصاب على مستوى العالم و تعافى 133 الف شخص , وفقا” للبيانات الصادرة عن جامعة جونز هوبكنز الاميركية , بفضل الجهود غير المسبوقة للأطباء و الممرضين و غيرهم من العاملين في مجال الرعاية الصحية والذين يقفون في الخطوط الامامية في المعركة ضد فيروس كورونا المستجد .
في مراجعة لأعداد المصابين في العالم نرى أن الصين قد سيطرت على الأوضاع الطارئة التي سببها إنتشار فيروس كورونا و بدأت الحكومة الصينية بتخفيف بعض القيود التي فرضتها لكبح إنتشار الوباء. أما دول أوروبا و خاصة الغربية منها و بعدها الولايات المتحدة الاميركية فقد اصبحت على التوالي البؤرة الجديدة للوباء , ولم تستفد من فترة السماح التي أعطيت لحكوماتها و لم تستفد ايضا” من خبرة الصين وكوريا الجنوبية في محاربة الوباء وذلك بعزل المناطق المصابة و إجراء فحص مكثف للفيروس و عزل المسنين و المصابين بامراض مزمنة بالإضافة الى كل اصحاب النتائج الايجابية من كل الاعمار .
فترة السماح هذه ولأكثر من شهرين كانت كافية لتأخذ الحكومات الغربية قرارات حاسمة خاصة وأن علماءها هم الذين اجتهدوا في توصيف الوباء و خطورة انتشاره وكيفية الوقاية منه، و يعملون بقوة على استحداث لقاح او دواء ينتظره العالم كله . ففي زمن الكورونا علينا أن نرفع شعار العلم في مواجهة كم كبير من الشائعات التي يتم تردادها في فضاء التواصل الاجتماعي .
فمن يا ترى كان يهمس في آذان زعماء العالم الغربي ؟
إن دول أوروبا الغربية و المدن الاميركية الكبيرة المكتظة تتمتع بمواصلات أرضية متقدمة من باصات و قطارات و مترو … يستقلها معظم الساكنين في المدن الكبيرة يوميا” من و الى عملهم، و تستعمل ايضا” لنقل البضائع و المنتوجات على انواعها بين المدن و الريف . هذه المواصلات، ومعظمها موجودة تحت الارض , لا تتمتع بالتهوءة اللازمة المطلوبة للتخلص من الفيروس الذي يتناثر ارضا” و في كل أرجاء المركبات و هوائها لمدة ساعات طويلة . وبالمناسبة فإن مركبات المواصلات الارضية التي لا توفر مقاعد مخصصة لكل راكب، لا تتمتع بمقومات العزل الموجودة في الطائرات أو السيارات .
لقد تساهلت حكومات كبرى الدول الاوروبية و حكومة الولايات المتحدة الاميركية في مواجهة الوباء فلم توقف القطارات و المترو و وسائل النقل الاخرى في الوقت المناسب وجاءت قراراتها في التعبئة و العزل متأخرة” بعد أن اصطدمت باختيار أولوياتها : اولوية إنقاذ البشر ام انقاذ الاقتصاد.
صحيح ان الناس تموت و تعيش و لكن صحيح أيضا” ان الاقتصادات العالمية مرت عشرات المرات بهزات و افلاسات و أعيد بناؤها في كل مرة .
و هنا انكشفت هشاشة المنظومة الاوروبية والاميركية،وظهر أداء رؤساء و حكومات الدول الغربية الذي طالما وضع الانسان و حريته الفردية فوق كل اعتبار سيئا” ومتأخرا” فتفشى الوباء بسرعة قياسية و أتت النتيجة كارثية.
في المقابل استطاعت دول أخرى كدول الخليج العربي من إحتواء المرض وهي التي استثمرت في البنية التحتية للرعاية الصحية لسنوات مضت كالكويت و الامارات العربية المتحدة و البحرين وخصوصا” المملكة العربية السعودية وذلك من خلال خبرتها في التعامل مع الحشود اثناء الحج , فوضعت امكانياتها الضخمة بهدف احتواء الوباء ومنع انتشار الفيروس . أما البحرين فكانت أول دولة تستعمل دواء هيدروكسي كلوروكين و اتبعت بروتوكول العلاج الذي اتبع في الصين ووافقت عليه منظمة الصحة العالمية ولم تنتظر القرار الاميركي .
العالم بعد كورونا لن يعود كما كان قبله، أقله في المجال الصحي ومجال النقل . ففي المجال الصحي سيعيد العالم ترتيب أولوياته ليضع الصحة في مرتبةٍ متقدمة , وفي مجال النقل ستطرأ عليه تغييرات جذرية للحد من انتشار الاوبئة .
لا شك اننا سائرون بعد هذا الوباء بخطى ثابتة نحو عالم آخر لأن كل الكوارث التاريخية الكبرى الناجمة عن أوبئة أدت الى تغييرات أساسية في البنى السياسية و الاقتصادية والثقافية للامم .
البروفسور غسان سكاف
رئيس قسم جراحة الأعصاب والدماغ والعامود الفقري في الجامعة الاميركية في بيروت