رجل المرحلة الصعبة…وليد جنبلاط
قبل أن يتحوَّلَ فيروس كورونا إلى وباءٍ عالميٍّ وأزمةٍ صحيّة يُصعب حلّها في وقتٍ سريعٍ، التقطت “ذبذبات المختارة” الخطر الداهم قبل أن يجتاحَ المساحات التي رُصِدَت فيها حركتهِ، سواء صعودًا أو انخفاضًا.
وحده من بين مُجمل السياسيين في البلد، رصدَ رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط حركة فيروس “كورونا” وتابع خطواته وخارطة سيره قبل وصوله إلى لبنان وذلك عندما رُصِدَ بالعين المُجرّدة وهو يرتدي “الكمّامة” في مطارٍ دوليٍّ.
اليوم وبعد مرور ما يُقارب الخمسين يومًا على اكتشافِ أوّل إصابة بفيروس كورونا في لبنان، تتزايد مخاوف جنبلاط من سرعةِ تفشّي الوباء في وقتٍ تتلهّى فيه الدولة عن شعبها، بمشاكلها الخاصة الموزّعة بين المكاسب السياسية وتسجيل النقاط فيما بينها وبين توزيع المناصب وفقًا لأحجامها وأطماعها.
انطلاقًا من تخّوفه هذا وحرصًا منه على عدم إضاعة البوصلة الأساسية بين زواريب الأطماع ودهاليز الإنقسامات، شرع جنبلاط بالتبرّع بمساهماتٍ مادية لعددٍ من المؤسسات الدينية والخيريّة والإنسانية بكافةِ تنوّعها الطائفي والمذهبي وليس آخرها المساهمات المادية التي قدّمها إلى دار الفتوى الإسلامية وإلى مستشفى المقاصد، ودار العجزة الإسلامية، ودار الأيتام وهو الامرُ الذي أثار بلبلة في بعضِ المناطق التي راحَ أهلها وسكّانها يسألون عن الجهات والأحزاب التي يُفترض أنها مسؤولة عنهم في الشرعِ كما في السياسة، تحديدًا أصحاب رؤوسِ الأموال الكبيرة الذين لم تظهر بعد حسناتهم في زمن أقل ما يحتاج فيه المرء هو الوقوف أمام إنسانيته ومن ثم الإحتكام إلى ضميره.
يُمكن القول جهارة أن وليد جنبلاط نزع ورقة التوت عن العديد من المسؤولين السياسيين الذين عجزوا عن التمثل به أو أقله مرافقة جهوده بجهود أقل ولو من باب “طعمي التم بتستحي العين” خصوصًا أنّ الأوقات العصيبة التي تمرّ بها البلاد، تستلزم من جميع السياسيين إعلان الإستنفار العام والإفراج ولو عن جزءٍ بسيطٍ من أموالهم كحد أدنى لتأمين مقوّمات الصمود، ليس لكل اللبنانيين إنما كل في مُحيطه السياسي أو الشعبي أو حتّى الطائفي.
في لحظةٍ حرجةٍ يتساوى بها الجميع، يخرج مُفتي البلاد بخطابٍ يتوجّه فيه بالشكر من زعيم المختارة ويؤكد فيه أنّ “عمله لا يقوم به إلا رجل دولة يشعر بمآسي الناس وحاجاتهم ويقدم لهم المستطاع دونما تفرقة”. والسؤال، هل الذي يُطرح، من آذان سياسيّة سمعت بشكر دار الفتوى لجنبلاط فاتبعت أحسن القول أو دفعت بالتي هي أحسن!. الإجابة: طبعًا لا وإلا لكانت سمعت الناس الشكر نفسه من بقيّة الصروح الدينية أو الإنسانية أو الصحيّة.
لا يوجد أدنى شكّ لا بكلام مُفتي البلاد ولا حتّى النقاش فيه طالما أن المساعدات والمساهمات تتم في العلن إنطلاقًا من مقولة “حيّ على خير العمل”. والمؤكد أن المُفتي قد انتقى جملة “لا يقوم به إلا رجل دولة يشعر بمآسي الناس وحاجاتهم”، ليوجّه من خلالها وربما بالنيابة عن كل المؤسسات المعنية بمساعدة الناس وتلبية احتياجاتهم، رسائل مُباشرة إلى كل سياسيّ في لبنان بأن مالكَ إن لم ينفع في يوم كهذا، فلن ينفع في المقبل من الأيّام، لأن الناس سوف تُحاسب كل من تخاذل أو تقاعس عن مد يد المساعدة لها والوقوف الى جانبها.
في الضاحية كما في بيروت وكذلك في الجنوب والبقاع والشمال، لم يخرج أي من الزعماء السياسيين الكبار ليُعلن مساهمته لجهة تلبية حاجات الناس في مختلف المناطق اللبنانية من دون استثناء، خصوصًا أولئك الذين يتناطحون على المنابر ويتهمون بعضهم البعض بالفساد ونهب المال العام والخاص. وحده وليد جنبلاط تجاوز بيئته ومد يد العون إلى بقيّة المناطق متخطيًا الحواجز المذهبية التي تُكرّس على الشاشات وتُدرّس في معاهد بعض الأحزاب، حتّى أصبحت من أدبياتها العامة.
ما يقوم به زعيم المختارة اليوم، يُعيده البعض بالذاكرة إلى زمن “أبو تيمور”. يومها كانت الكلمة للسلاح وللأوامر من خارج الحدود. في ذاك الزمن عرف “أبو تيمور” كيف يستصلح البيئة السُنيّة بعد ضرب “حركة الناصريين المستقلين – المرابطون” بأوامرٍ خارجيّة، وذلك بخطوةٍ لم تُكلّفه سوى اعتذارٍ بسيطٍ مَكَّنه من استعادة زعامتهِ داخل البيئة المتضرِّرَة. وكان قبلها عرّاب القضية الفلسطينية في لبنان حتى بدا وكأنّه رجل الثورة “أبو عمّار” لكن بلكنةٍ درزيةٍ. واليوم يُعيد الزمن نفسه، لكن من البوابة السياسية والإنسانية ليطوّب وليد جنبلاط، رجل المرحلة الصعبة.
“ليبانون ديبايت” – علي الحسيني