التأليف الحكومي معلق في عنق زجاجة المطالب
تعددت الأسباب والنتيجة واحدة: التأليف الحكومي المنتظر منذ أكثر من ثلاثة شهور معلق في عنق زجاجة المطالب ذات السقوف العالية وتمترس كل فريق خلف مواقفه. يجري ذلك فيما يواصل الرئيس المكلف سعد الحريري جهوده في سبيل كسح الألغام التي تعقد عليه مهمته المضنية بفعل شهية الاستيزار لدى الغالبية الساحقة من الأفرقاء. وإن كانت الموضوعية تفترض تسجيل نقطة لصالح القوات اللبنانية في هذا المجال، حيث تخلت معراب عن المطالبة بـ 5 وزراء (مكتفية بـ4) ومنصب نائب رئيس الحكومة.
وفيما لا تنفك معراب تؤكد أن هذا التنازل هو الأخير الذي يمكن أن تقدمه في سبيل إتاحة المجال أمام تأليف حكومي يبدو ملحا، لا شيء يشي بأن الخلاف على خط معراب- ميرنا الشالوحي سيبلغ خط النهاية قريبا. ذلك أن، إلى جانب الاشتباك حول الحصص وحجم تمثيل طرفي الثنائية المسيحية في الحكومة العتيدة، يبدو أن الثلث المعطل وحصة رئيس الجمهورية هما “القصة كلها” بين الحزبين اللذين لم يتأخرا في إطاحة تفاهمها الرئاسي للأسباب الحكومية المعروفة.
ففي وقت لا يبدو الرئيس الحريري في وارد تكرار تجربة لاستحواذ فريق معين على الثلث المعطل بعدما ذاق مرها على مدخل البيت الأبيض، تعتبر القوات اللبنانية أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الذي يتفرد في كونه الرئيس “الحزبي الأول بعد اتفاق الطائف”، لا يجوز أن تكون له حصة وزارية مختلفة عن تلك العائدة إلى التيار الوطني الحر الذي أسسه. في المقابل، يجهد العونيون في تأكيد الحرص على عدم كسر عرف الحصة الرئاسية في مجلس الوزراء، والمكرس منذ اتفاق الطائف.
أمام هذه الصورة، تذكر مصادر سياسية عبر “المركزية” أن المسار السياسي الجديد الذي أطلق شرارته اتفاق الطائف الذي صار دستور الجمهورية الثالثة تميز باتفاق شبه ضمني على أن “لبنان لبنان لا يحكم إلا بالتوافق”، ما يحتم وجود شخصية حيادية على رأس هرم الحكم لكي لا تكون لأي فريق الغلبة على الآخر. ما يفسر رسو الخيارات الرئاسية منذ ذلك على رئيس غير حزبي (الياس الهراوي) وقائدين سابقين للجيش (اميل لحود وميشال سليمان).
وفي هذا السياق، تلفت المصادر إلى أن هؤلاء الرؤساء الذين أطلقت عليهم صفة “التوافقي”، ليسوا من أصحاب الحضور النيابي الكثيف، أو ما يسمى “الحيثية الشعبية”، ما يعني أن ممارسة سليمة لمقاليد الحكم، لا سيما في خلال الجلسات الحكومية من جانبهم تفترض أن تتاح لهم الفرصة للتعبير عن رأيهم في مسار الأمور في البلد، ما يحتم وجود ممثلين لهم إلى الطاولة الحكومية، خصوصا أن التعديلات التي أدخلها الطائف إلى الدستور حرمت رئيس البلاد صوتا مرجحا في مجلس الوزراء.
ومن باب تعديلات الطائف أيضا، تضيف المصادر سببا آخر لإعطاء رؤساء الجمهورية الآنف ذكرهم حصة وزارية وازنة، مشيرة إلى أن البعض يعتبر أن هذه الخطوة أتت تعويضا عن الصلاحيات الكثيرة التي حرم منها رئيس الجمهورية في مرحلة ما بعد الطائف.
أما في ما يخص الوضع الراهن حيث ينتظر الجميع انطلاق العهد من باب الحكومة الأولى بعد الانتخابات على حد قول رئيس الجمهورية العماد ميشال عون نفسه، فتذكر المصادر أن التيار الوطني الحر خاض الانتخابات الرئاسية ولم يتوان عن مقاطعة 43 جلسة مخصصة لأتمام هذا الاستحقاق المصيري، تحت عنوان وصول “الممثل الأقوى للمسيحيين” إلى الموقع الأهم العائد إليهم في الهرمية الرسمية للدولة، لافتا إلى أن القوة تعني هنا التمثيل النيابي الذي كان الأكبر للتيار العوني في انتخابات 2009، وعاد وتكرس في استحقاق أيار 2018، ما يعني أن الرئيس عون والحزب الذي أسسه والتكتل التابع له أكدوا مجددا كونهم ممثلين، وإن غير وحيدين، للمكون المسيحي، ان الرئيس يستطيع الاعتماد على كتلة التيار الوزارية لتجسيد تطلعاته الوزارية.
وفي هذا الاطار، تذكر المصادر أيضا بأن التيار الوطني الحر رفع لواء الاحتجاج مرارا على نيل رؤساء سابقين حصة وزارية، مشيرة إلى أن حتى نواب وكوادر التيار لا يقيمون فصلا بين التيار، بوصفه حزبا سياسيا، والعماد عون في موقعه الرئاسي. وليس أدل إلى ذلك إلا الكلام الذي أدلى به النائب ابراهيم كنعان في حديث تلفزيوني الاسبوع الفائت حيث قال إنه جاهز لتولي حقيبة وزارية إذا رأى الرئيس والتيار الوطني الحر حاجة إلى ذلك. كلام يضاف إليه حديث النائب روجيه عازار لـ”المركزية” قبل أيام حيث أعلن “أننا حصة الرئيس”. وبحسب المصادر نفسها، فإن التيار يعترف بنفسه أن حصته هي نفسها تلك العائدة إلى الرئيس… “بلا جميلة حدا”!
المركزية