يوم عون التاريخي: التخلص من “كابوس” رفيق الحريري
أعلن رئيس الجمهورية، ميشال عون، يوم الخميس يوماً تاريخياً. عزا ذلك إلى إقرار الحكومة لخطة اقتصادية تستشرف المستقبل. بادعائه البطولي، نسف عون ثلاث سنوات ونيف من عهده، ونسف 15 عاماً من مشاركته في السلطة، لم يسبق أن أقر فيها أي خطة وفق اعتباره وقوله.
غريبة هي الطبائع اللبنانية التي تهجو نفسها عندما تلجأ إلى
امتداح نفسها. وغالباً ما يكون المنطلق في هذا التناقض نابعاً من الاستخفاف
بعقول الناس، والرهان على انعدام الذاكرة لديهم. وهذا المنهج تحول إلى علم
أو أحد فروع علوم السياسة، يندرج في خانة “تخريب العقول” وجعل الناس في
موقع المتلقي لا المناقش والمحلل، والذي يقارب الأمور بكل اختلافاتها.
حصر الإرث
اليوم
التاريخي، بالنسبة إلى عون، هو مسألة ضيقة إلى أقصى حد. ويمثّل استكمال
الانقلاب على الطائف، والحقبة الحريرية. هذا هو التاريخ بالنسبة إلى عون،
علماً أن خطته التي يحتفي بها لا تختلف عن مندرجات الحريرية، بل تطمح فقط
لوراثتها، بحيث ينتقل الإرث من آل الحريري إلى آل عون، بعيداً عن تقديم
طروحات جدية للتغيير الاقتصادي. سياسة الريوع، والمؤتمرات الدولية
والاستدانة وكل ما يرتبط بهذه المنظومة، ستبقى مستمرة، ولكن هذه المرّة
عرابها سيكون عون أو أحد المنتسبين إلى فروعه، وليس الحريري الأصيل أو
المتفرع.
يحتفي عون بيومه التاريخي، مستنداً إلى تحالفات لها غاياتها الانتقامية من الحريرية، وهنا لا مجال للغوص في تاريخ هذه الصراعات. إنما الغاية هي طرح السؤال عن ما بعد. هل لهذا العهد أن يعدّ خطة للخروج من الواقع المكرس في لبنان منذ نشوئه، وقطف الحريري لحقبة طويلة ثماره، كما قطفه من قبل ما كانوا قبله، على غرار المارونية السياسية؟ حتماً لا وجود لأي بذور تغييرية حقيقية، إنما المعركة تُختصر بالاقتتال على الإرث.
ومن يقاتل في سبيل الإرث، يكون في غالب أحواله، مستشعراً لغبن
العائلة، أو لديه طمع في أن يكون الوريث الأول، وهنا تجتمع الحلقة المكونة
من مجموعة أطراف: حزب الله الذي لديه فائض في القوة والتنظيم والامتداد
الجغرافي والديمغرافي، يريد للبنان أن يكون مطواع يراعه. ورئيس للحكومة،
مهجوس بتسجيل الانتصارات على طريقة الصور. أما طبائع عون فمعروفة، وهو الذي
ينظر إلى نفسه مخلصاً للبنان، وكل ما يفعله مبرر، ولو اقتضى الدخول في
صراعات ستتخذ حتماً بالنسبة إليه طابع الحرب المقدسة.
عنف الجيش والبيئة السنّية
مأساة
لبنان، أنه دائماً ينحشر في صراعات بين طرفين، أحدهما جامح وآخر طامح.
وقدر أمنه على فالق زلزالي تتداخل فيه عوامل متضاربة ومتناقضة دولياً، فيجد
نفسه حالياً متروكاً في صراع كيفما جاءت نتائجه ستكون على حسابه وحساب
أهله. وهذا ما يمكن قراءته من خلال التحركات الاحتجاجية الأخيرة في مختلف
المناطق، والتي يغلب عليها الطابع السنّي، من طرابلس، إلى بيروت وإقليم
الخروب والبقاع وصولاً إلى صيدا. طبعاً هناك تحركات في مناطق أخرى، ولكن
مركزية التظاهرات تخرج من المدن السنية الكبرى، ليُطرح سؤال جوهري عن طريقة
تعامل الجيش مع هذه التحركات والتظاهرات. وهو يستخدم عنفاً لم يستخدمه من
قبل لدى قطع الطرق والهجوم على المصارف.
وللسؤال جوابان هنا، إما أن الجيش يلتزم بأوامر السلطة السياسية ولو اقتضى ذلك التدخل بعنف مع الناس، بخلاف ما كان عليه الوضع أيام 17 تشرين. وإما أن التدخل بعنف في مناطق سنية يبقى مبرراً ويحظى بمقبولية شعبية، باعتبار أن المسوغات والتبريرات يسهل تقديمها من خلال شيطنة هذه البيئة، في إطار الحرب المفتوحة عليها في كل المنطقة، من سوريا إلى العراق إلى لبنان. ولكن هل إذا ما توسعت التحركات بشكل مشابه لثورة 17 تشرين، وشملت كل المناطق، سيبقى موقف الجيش نفسه، أم سيتراجع وسيقدم تبريراً للسلطة السياسية بأنه حاول التدخل بداية لقمع التحركات، وإذ بها توسعت، فيعود ليحفاظ على حياديته ويستعيد التعاطف الشعبي معه؟ أم أيضاً سيتدخل بالقوة؟
تركيبة حكم
بكلا الحالتين، فإن المسار واضح ولا تضيع بوصلته. أياً كانت الجهة المنتصرة، سيكون انتصارها على حساب وجه لبنان المعروف. تدخل الجيش بالقوة، إذا استمر أو تراجع، سيكون له مآثر مستقبلية على دور المؤسسة العسكرية على الساحة اللبنانية، في ضوء ما يهمس به البعض متحمساً إلى حكومة عسكرية، التي قد تكون البديل الوحيد عن هذه الفوضى، طالما أن السلطة السياسية لم تتمكن من ضبط الشارع ووقف الاحتجاجات. أو هي لمراكمة حسابات تتعلق باستحقاق رئاسة الجمهورية. وبحال لم يسلك هذا السيناريو طريقه إلى التطبيق، فإن الخيار المقابل سيكون استسلام اللبنانيين بقواهم السياسية والشعبية إلى معادلة جديدة تكرست. وهي تركيبة حكم جديدة، كما كانت الحال بالنسبة إلى الحريرية السياسية وحلفائها التي جاءت بعد الطائف. سيكون لبنان أمام الارتضاء بالسيطرة السياسية لتحالف حزب الله والتيار الوطني الحرّ، انسجاماً مع مجريات وتحولات المنطقة. المعركة قاسية وطويلة، وترتبط بتحولات ومتغيرات كبيرة.
المدن