صراع الاسد-مخلوف: ديناميات النظام وهمجيته
في أول ردّ رسمي على “فيديو رامي مخلوف، أكدت “الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد” التابعة لوزارة الاتصالات في حكومة النظام السوري، على أنّ المبالغ المطلوب سدادها من شركة سيرتيل هي مبالغ مستحقة ل”الدولة”. وقالت الهيئة في بيان لها على صفحتها على “فايسبوك”: “تؤكد الهيئة أنّ المبالغ المطلوب سدادها من قبل الشركات الخلوية هي مبالغ مستحقة للدولة وفقاً لوثائق واضحة وموجودة، وتم حسابها بناء على عمل لجان اختصاصية في الشؤون المالية والاقتصادية والفنية والقانونية”.
وأضافت أنه “وحفاظاً على استمرار عمل الشبكة الخلوية واستمرار تقديم خدماتها للمواطنين، تم الأخذ بعين الاعتبار كافة تحفظات الشركات إعطاؤها المهل والمدد التي طلبتها، وبعدها ورغم عدم منطقيتها تم اعتماد كافة البيانات والأرقام المقدمة منها وبعد كل ما سبق تم احتساب القيمة الفعلية للمبالغ المطالبين بتسديدها”.
وتابعت: “تم حساب المبالغ المطلوب سدادها على مرحلتين، الأولى وفقاً للأرقام الفعلية خلال السنوات التشغيلية الخمس الأولى من عام 2015 ولغاية عام 2019 (وذلك حسب طلب الشركتين ووفقا للبيانات المالية المنشورة)، والثانية وفق الأرقام المتوقعة التي تقدمت بها كل شركة”.
وأوضحت أنّ “عقود الإدارة التي أبرمتها الشركات الخلوية مع شركات “أوفشور” (موضوع الخلل الضريبي) يتم العمل عليه من قبل المعنيين بهذا الشأن في وزارة المالية، والمبالغ المشار إليها والمستحقة لدينا لا علاقة لها بقضية التهرب الضريبي (والتي هي موضوع آخر يتم العمل عليه من قبل الجهات الخاصة به) بل بمبالغ مستحقة على الشركتين يجب سدادها لتحقيق التوازن في الرخص، علماً أن الخلل الضريبي الموجود في تلك العقود يؤثر على قيمة ضريبة الدخل وعلى قيمة الأرباح الصافية لحاملي الأسهم أنفسهم”.
وأكدت الهيئة أنها “ماضية في تحصيل الأموال العامة (أموال الخزينة المركزية) بكافة الطرق القانونية، مع الأخذ بعين الاعتبار دائما استمرار عمل اي شركة مطالبة بالسداد بتقديم خدماتها للمواطنين على أكمل وجه ولن يثنيها عن استرداد المال العام اي محاولات للتشويش على هذا العمل”.
وكان رامي مخلوف، رئيس مجلس إدارة شركة “سيريتل”، طالب في وقت سابق، رئيس النظام السوري بشار الأسد، بالإشراف بشكل شخصي على تحقيقات بشأن اتهام حكومة النظام مخلوف بالتهرب الضريبي.
وبعد غياب لسنوات ظهر مخلوف في تسجيل مصوّر نشره على صفحته في فيسبوك الجمعة، قال فيه إن “الدولة غير محقة بالتشكيك بمصروفات شركة سيريتل، وتعود لعقود قديمة متفق عليها بين الطرفين، ويحق لنا مقاضاتها بالاستناد إلى وثائق”، وأبدى استعداده للكشف عنها.
في غضون ذلك ذكرت صحيفة “لوموند” الفرنسية، أنه في السنة العاشرة من الحرب، يبدو أن لدى السوريين موضوعاً جديداً يشغلهم بعيدا عن الصراع العسكري الدائر، فقد ذهل السوريون، بعدما اعتقدوا أنهم رأوا حتى الآن كل شيء في ما يتعلق بفساد قادتهم، عندما كشفت صحيفة روسية أن الرئيس بشار الأسد أهدى زوجته أسماء لوحة لديفيد هوكني، “سبلاش”، تبلغ قيمتها أكثر من 27 مليون يورو.
واشارت الصحيفة الفرنسية إلى أن أهم ما في هذا الخبر، ليس حقيقة شراء الديكتاتور السوري هذه اللوحة، بل أن هذه الفضيحة كشفتها وسيلة إعلامية قريبة من الكرملين، على خلفية تصفية حسابات بين بشار الأسد وابن خاله رامي مخلوف، أغنى رجل في سوريا، والذي كان أحد أعمدة النظام، وأصبح الآن هدفاً لحملات “مكافحة الفساد”.
وقالت الصحيفة إن رامي مخلوف المستفيد الرئيسي من “التحرير” الاقتصادي الذي قاده بشار الأسد بعد أن خلف والده حافظ الأسد حيث بنى مخلوف إمبراطورية حقيقية، وتولى “عمليات خصخصة” الشركات المملوكة للدولة، واستثمر في بنوك خاصة جديدة، ومع شركة الاتصالات “سيريتل”، حاز مركزًا مهيمنًا في سوق الهواتف المحمولة.
وبثروة تقدر بمليارات الدولارات، يقدرها البعض من 3 إلى 7 مليارات
وفقاً للمصادر، أصبح مخلوف الممول الأكبر للميليشيات الموالية للأسد، التي
كان دورها في قمع الانتفاضة الشعبية عام 2011 حاسماً.
وبحسب الصحيفة
الفرنسية فقد أدى صعود المنتفعين الجدد بالحرب منذ عام 2018، إلى توترات
ملموسة بشكل متزايد بين بشار الأسد وابن خاله الثري. وأدت استعادة النظام
لمعظم الأراضي السورية إلى إعادة تعريف تقسيم الغنائم في بلد مدمر، وهو ما
يدفع مخلوف ثمنه بشكل واضح.
واشارت الصحيفة الفرنسية إلى أن بعض
أصول رامي مخلوف تحت الحراسة القضائية، وهناك متأخرات ضريبية كبيرة جداً
مطلوبة، ولكن قبل كل شيء سقطت المحرمات من حصانة آل الأسد.
وذكرت
أنه في الآونة الأخيرة، تم ضبط أربعة أطنان من الحشيش بمصر في شحنة حليب من
شركة مخلوف، في حين تم ضبط أصول شركة أخرى، هي شركة “أبار بتروليوم”، التي
تخضع بالفعل لعقوبات أميركية في عام 2018، ولكن هذه المرة من قبل نظام
الأسد.
وقالت الصحيفة: “يدعي مخلوف، دون أن يكون مقنعاً حقاً، أنه استثمر
في شركة آبار النفطية، دون أن يكون مرتبطاً بها قانوناً”. وقد تفاقمت هذه
التوترات غير المسبوقة بين أبناء عمومة الأسد ومخلوف بسبب “كشف” محرج
للغاية لبشار في وسائل الإعلام القريبة من الكرملين، بما في ذلك هدية بشار
المفترضة لأسماء.
ويتأكد أن مثل هذه “المعلومات” تشكل انتقاماً
لحملة مخلوف ضد مصالحه، ويذكر البعض بأن محمد وحافظ مخلوف، والد رامي
وشقيقه، استقرا في موسكو (كان حافظ مخلوف حتى عام 2014 أحد رؤساء أجهزة
الأمن السورية).
وعادت الصحيفة إلى عام 1984، عندما تصادم حافظ الأسد وشقيقه رفعت،
على الرغم من أنهما أنقذا نظامهما الذي كان مهدداً بتمرد إسلامي، إلى جانب
انتفاضة شعبية. ولم يتجنب الشقيقان القتال في وسط دمشق إلا بفضل وساطة
الاتحاد السوفياتي الذي أخرج رفعت من سوريا.
ورأت الصحيفة أن الخلاف
بين بشار الأسد ورامي مخلوف ليس له اليوم البعد العسكري نفسه، لكنه يكشف،
مرة أخرى، عن التناقضات التي تشكل “حالة الهمجية” التي يوجد عليها نظام
الأسد.
وختمت الصحيفة تقريرها بالقول “الحرب التي شنها حافظ ثم بشار الأسد
ضد شعبيهما هي في الواقع في صميم ديناميات قوتهم، بغض النظر عن المشاجرات
التي تثير الآن العائلة الحاكمة”.