السنّة أكبر طائفة ولبنان لا يستقيم بتغييبهم
لم تمرّ طائفة في لبنان بحالة الوهن التي تمرّ بها الطائفة السنّية. ربما هي أسهل الطوائف للتدجين، تنساب كالماء فتأخذ الشكل الذي يُهندس لها بلا ممانعة ولا مقاومة.
سُنّة البحر والداخل
لم يحدث أن
استُهين بطائفة كما يستهان بالطائفة السنّية، التي لا تعرف أو لا تجرؤ على
معرفة ما لديها من مقومات. معها البحر في بيروت وطرابلس وصيدا، ومعها
الشمال والعمق العربي كلّه. لكنها تحصر نفسها في زاروب أو اثنين، وفي
حسابات سياسية شخصية.
أما الشيعة فلم يسكتوا تاريخياً على هوانهم واستضعافهم وحرمانهم وتغييبهم: من حركات يسارية، إلى حركة المحرومين، إلى مراحل متقدّمة من التأثير والفعل السياسي والعسكري والاستراتيجي في المعادلة اللبنانية، مع حزب الله.
وهُمّش المسيحيون في سنوات ما بعد الطائف، لكنهم لم يسكتوا ولم يُدجّنوا، ولا يزال صراعهم مفتوحاً فيما بينهم على قاعدة استعادة الصلاحيات وتعزيز الحضور.
وحدهم السنّة بلا رؤية. وإذا ما غفوا لا يستفيقون. وإذا ما
ضعفوا لا يجدون من يشد عضدهم. وإذا ما استنكفوا لا يعودون إلى الفعل. حتّى
عندما يصطدمون بحساباتهم المتناقضة داخل بيئتهم وبيوتهم، لا يسهمون بغير
الإمعان في الضعف والشرذمة. وعندما يذهبون إلى التسويات، يكون الهوان قد
تمّلك منهم، فيذهبون زاحفين، بلا قيمة أو مقومات. فيتطاير كل شيء من
أيديهم، أو يدفعونه على مذبح الحسابات التي لا أفق لها.
بين الهوان والتطرف
السنّة
أكبر طائفة في لبنان. ولبنان لا يستقيم أو يستمرّ بتغييبهم. وأثبت التجارب
أنه عاش حقبات سياسية وتاريخية، بتهميش المسيحيين تارة، والشيعة تارة
أخرى. لكنه لا يمكن أن يستمر بلا السنّة.
أركان هذه الطائفة لا يعرفون ما لديهم. وإن عرفوا لا يجرؤون.
وهذا يجعلهم بين منزلتين: إما الغياب والضعف وعدم التأثير والاستتباع
والاستجداء، على غرار ما خرج به بيان المجلس الشرعي الإسلامي. وإما يذهب
بعضهم إلى التطرف ظناً منه أنه يسدّ فراغات هائلة، فيتضاعف ضعفهم.
بين السُّنة والدروز
في
المقارنة بين السنّة والدروز مثلاً – أي بين أكبر طائفة وأصغر طائفة –
يظهر الفرق في التأثير الكبير الذي يحدثه الدروز في المعادلة اللبنانية: من
كمال جنبلاط إلى وليد جنبلاط، الذي خاض معارك كثيرة أخيراً، وتحديداً ما
بعد التسوية الرئاسية التي وضعت السنّة على مقصلة لا أحد يقدر على إبعاد
رأسهم من تحتها.
خاض وليد جنبلاط معركة قبرشمون، وقف في مواجهة حزب الله
وأمينه العام شخصياً، فقال: “أصادق رجالاً وأخاصم رجالاً”. فعدّل الميزان،
وربح معركة قبرشمون، ومجموعة معارك في معركة واحدة، توجّت بطلب رئيس
الجمهورية عقد لقاء معه للتهدئة، ووقف الاستهداف، وصولاً إلى شروع جنبلاط
بحركة سياسية جديدة. وهي حركة تثبت مجدداً أن القوة ليست للعدد، بل للإدارة
وحسنها. والدروز في لبنان، لا يملكون بحراً ولا مدى، بل محاصرون في
الساحل، ومن الجنوب والبقاع والشمال.
لماذا الاستجداء؟
لم
يكن اجتماع المجلس الشرعي الإسلامي والبيان الذي صدر في ختامه، سوى أبلغ
الدلائل على حال ضعف السّنّة. واللافت أنه جاء بعد اجتماع رؤساء الحكومات
السابقين، والذي كان يُفترض أن يصدر عنه بيان. لكن الخلافات بين الرؤساء
حالت دون ذلك. حال الوهن السني انعكست على اجتماع المجلس الشرعي، الذي
تجلّت في كواليسه مواقف مرتفعة، حول السلاح والمعابر غير الشرعية وضرب
التوازن السياسي والطائفي. لكن هذه المواقف ظهرت في البيان وكأنها في معرض
استجداء. فلم يجرؤ البيان على تسمية الأمور بأسمائها. كأنه يصوّر تحول
طائفة من مركزية مؤثرة، إلى رابطة نقابية ومطلبية.
حزب تدجين السُّنّة
ارتكس
السنّة إلى حال ضعف واستسلام وتنازل، بعدما سار حزب الله بمشروعه في محطات
ثلاث في تدجينهم، أمنياً وعسكرياً، في البداية. فيما بعد تمكن من تدجينهم
سياسياً مع اللبنانيين جميعاً بربط النزاع الذي أوصل إلى التسويات. المحطة
الثالثة، هي تدجين حزب الله للاقتصاد، بضربه المصارف وربط الاقتصاد
اللبناني بمحور الممانعة.
وهذا كله يقود إلى بسط سيطرته على البلاد. وعلى مدى هذه
المحطات الثلاث، لم يبادر السنّة في لبنان إلى أي خطوة في مواجهة هذا
المسعي المندفع إلى أقاصيه.
استحالة التكرار
ولكن لا بد
من الإشارة إلى موقف المفتي عبد اللطيف دريان يوم السبت 6 حزيران الفائت،
لتهدئة الوضع على الأرض، ولملمة التفلت والفوضى. وحتى عقد الاجتماع كان
خطوة إيجابية، فلا حيلة غيره. إذ أنه لا يمكن للمفتي القيام بأكثر من ذلك.
أما الأصوات التي كانت تشير إلى إمكان تكرار تجربة الثمانينيات أيام المفتي حسن خالد، فلم تنتبه إلى أن المرحلة الراهنة مختلفة جذرياً. فلا يمكن تكرار مهرجان الملعب البلدي الذي حصل في العام 1983، بين المفتي حسن خالد والشيخ محمد مهدي شمس الدين، والشيخ حليم تقي الدين. وهو المهرجان الذي أرسى الثوابت الإسلامية آنذاك.
اليوم يجد السنّة أنفسهم في مشكلة حقيقية: أنهم بلا حليف أساسي من الطوائف الكبرى. فلا العلاقة مع المسيحيين جيدة، ولا العلاقة مع الشيعة جيدة، على الصعيد السياسي طبعاً.
المدن