“قيصر”..هل يؤدي الى إسقاط النظام؟
وسط تصعيد إعلامي كبير وظهور مكثف ومتزامن لمسؤوليها، أعلنت الإدارة الأميركية دخول قانون العقوبات المشدد “قيصر” حيز التنفيذ، بعد ستة أشهر على إقراره، لم تشهد خلالها سوريا أي تطورات إيجابية ولم يقدم النظام فيها أي تنازلات يمكن أن تجعل واشنطن تعيد النظر في هذا القانون.
وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو ومبعوث الولايات المتحدة إلى سوريا جيمس جيفري، بالإضافة إلى المتحدثة باسم وزارة الخارجية، وغيرهم من المسؤولين الأميركيين الذي ظهروا في 17 حزيران/يونيو للحديث عن بدء سريان قانون “قيصر” كانوا يريدون إظهار الجدية والحزم الأميركي في تطبيقه.
كذلك أرادت واشنطن إثارة أكبر قدر ممكن من الضجيج الإعلامي حول “قيصر”، بما يسهم في تعميق أثر الضربة الأولى على حلفاء النظام، وخاصة الروس، الذين لم يستطيعوا اخفاء ارتباكهم في واقع الحال، مثلهم مثل المعارضة السورية المرتبكة حيال هذا القانون أيضاً، ولكن مع اختلاف اسباب الارتباك. والواقع أن جلّ المعارضين يدركون حقيقة أن العقوبات الجديدة ستلحق المزيد من الأذى بالسوريين، حتى أولئك الذين يعيشون خارج مناطق سيطرة النظام، لكن الانقسام الحقيقي هو حول ما إذا كانت هذه العقوبات ستسقط النظام أو على الأقل ستجبره على الانخراط في عملية سياسية جدية تفضي إلى حل مقبول من الجميع.
ليس لدى أصحاب وجهة النظر القائلة بأن هذه العقوبات ستؤدي إلى تغيير النظام ما يبنون عليه اعتقادهم سوى تقديرات ترى أن النظام الصارم والشمولية التي يتصف بها قانون “قيصر” سيؤديان إلى مزيد من الإضعاف الاقتصادي للنظام، وإلى تجفيف منابع الدعم التي يتلقاها حتى الآن، بما سيؤدي إلى إضعاف قدراته على تمويل أي عمليات عسكرية.
ويرى هؤلاء أن هذه العقوبات ستؤدي إلى تفكيك قوى النظام العسكرية النظامية والرديفة عندما سيعجز عن دفع رواتب أفرادها وقادتها، وبالتالي مواجهة الانهيار الحتمي في النهاية، أو أن تتحرك روسيا وقوى في هذا النظام وتمد يد الحل للمعارضة من أجل تجنب هذه النهاية التي آل إليها نظام صدام حسين في العراق، والذي رغم أن العقوبات لم تسقطه بشكل مباشر، إلا أنها دمرت قواه وجعلته آيلاً للسقوط عند أول ضربة على بغداد.
لكن أصحاب وجهة النظر المقابلة، لا يتفقون فقط مع الطرف الأول بمسؤولية النظام عن هذه العقوبات وأضرارها على الشعب، بل وكذلك في مخاطرها على النظام نفسه بالفعل، لكن الخلاف هو حول حجم ومدى هذه الأخطار.
يقول هؤلاء إن التفكير بأن النظام يمكن أن يقوم بمراجعات وتقدير موقف على أساس ما يمكن أن يترتب على هذه العقوبات الصارمة، ليس سوى مجرد وهم بقدر ما هو وهم أيضاً التفكير بامكانية حصول حركة داخلية في هذا النظام، تسقط الأسد وتعقد اتفاقاً مع المعارضة، حتى وإن كان برعاية روسية..المشكلة أن المثال العراقي فيه من الوقائع والأمثلة ما يجعل كلا الطرفين يعتمدان عليه.
يستذكر أصحاب وجهة النظر المتحفظة على العقوبات كيف بات راتب لواء أو طيار في الجيش العراقي غير كاف لشراء طبق بيض، ما أدى لإضعاف هذا الجيش بالفعل، لكنه أدى في الوقت ذاته إلى زيادة الفساد وانتشار الجهل والأمية في المجتمع كظواهر ما تزال آثارها الكارثية مستمرة إلى اليوم، كما يستذكرون في الوقت نفسه كيف انتهت محاولة صهري صدام وقادة جيشه (صدام كامل وحسين كامل) الانقلاب على النظام من الداخل إلى فشل ذريع وخسارة الشقيقين حياتهما.
لم يسقط نظام صدام حسين إلا بتدخل عسكري مباشر، ولن يسقط نظام بشار الأسد إلا بتدخل مباشر، لكن اليوم، أو بالأحرى منذ التدخل العسكري الروسي المباشر إلى جانب النظام في خريف العام 2015، لم تعد فكرة شن حرب غربية على النظام واردة، ولم يعد هناك من خيار سوى عقد صفقة مع الروس والنظام للإطاحة بالأسد وإقامة نظام حكم جديد من المعارضة والنظام، وهو الاحتمال الوحيد المتبقى لموسكو من أجل تجاوز أضرار قانون “قيصر” الذي يبدو أنها المتضرر الوحيد منه بالفعل، على عكس الأسد وإيران.
فمنذ البداية كان النظام واضحاً عندما رفع شعار “الأسد أو نحرق البلد” وعليه لا يمكن انتظار أي تراجع منه أمام ما يبدو أنه أقل بكثير من قيامه هو نفسه بتدمير سوريا وإحراقها وتهجير أكثر من نصف سكانها بعد قتل نحو مليون منهم، كما أن العقوبات الجديدة لن تكون سوى حلقة من مسلسل اعتاد عليه هذا النظام، مثله مثل حليفته الأولى إيران، التي لا يبدو أن نظامها مكترث بكل ما فرض عليه من عقوبات أدت بالدرجة الأولى لانهاك الشعب دون أن تغير النظام.
لكن روسيا، ورغم أنها معتادة إلى حد ما على العقوبات الغربية، إلا أنها عندما يتعلق بالأمر بالملف السوري فإن الأمر مختلف جداً بالنسبة لها. فهي ليست مثل الأسد تبحث عن الحكم حتى ولو على أنقاض، وليست مثل إيران التي تقاتل في سوريا بالدرجة الأولى من أجل أهداف إيديولوجية توسعية، تصبح معها كل التضحيات والمعاناة أثماناً مقدسة، بل إن موسكو جاءت وفي تطلعاتها نهر لبنِ وعسلِ إعادة الاعمار، الذي حولته هذه العقوبات إلى مجرد سراب.
وتشير كل المعطيات إلى أن حرب روسيا في سوريا هي حرب استثمار بالدرجة الأولى، وأنها لم تعد ذلك الاتحاد السوفياتي الذي تعلمت منه إيران البذل بسخاء من خزينة الدولة من أجل نشر عقيدة الدولة، بل إن موسكو لا تتردد اليوم بمطالبة النظام بتكاليف اسهامها العسكري في المعركة إلى جانبه، ومقابل افلاسه، فإنها لا تتوانى عن الانقضاض على كل فرصة استثمارية في البر أو البحر السوري، فوق الأرض أو تحتها، لكن كل ذلك لن يكون كافياً لتعويض ما تكلفه الروس في الحرب، ولا إشباع نهم الشركات الروسية التي تنتظر منذ أربع سنوات لحظة البدء بعملية إعادة الاعمار.
“إعادة إعمار سوريا” قد يكون الهدف المشترك الذي سيجمع الروس والمعارضة وداعميها، وهو الاحتمال الواحد ربما الذي يمكن التعويل عليه من أجل انتظار خطوات جدية من موسكو نحو تغيير النظام، لكن هل تستطيع روسيا القيام بهذا الأمر؟
المدن