مهزلة توزيع 200 دولار تُثبت فشلها
إنتقل مشهد زحمة المواطنين من أمام ابواب المصارف الى امام الصيارفة، فمشهد التهافت لشراء 200 دولار بات روتينياً، يبدأ من الساعة الخامسة فجراً. وبعد أسبوع على بدء المركزي ضَخ الدولارات في السوق لم تنعكس هذه الخطوة ايجاباً على الاسواق. فما هي الاسباب؟ وهل هناك جدوى من الاستمرار بها؟
تحوّل شراء 200 دولار من الصرافين الى مزيج من الذل والتجارة، فمن جهة هناك من هو في حاجة للعملة الصعبة إمّا لإرسالها الى الطلاب في الخارج او بهدف الاستشفاء او للمساعدة المنزلية، ومن جهة أخرى هناك من وجد في آلية توزيع الدولار فرصة للتجارة فعمد الى شرائه بسعر 3900 ليرة وبيعه في السوق السوداء على سعر 5200 ليرة ليُساهم في تنشيط عمل هذه السوق، بما يؤكد انّ كل الجهود لضبط سعر الدولار من خلال لجوء المركزي الى ضَخ ما بين 4 الى 6 ملايين دولار في السوق يومياً تذهب هدراً، فهل حان الوقت لإعادة النظر بالآلية المعتمدة اليوم في قطاع الصيرفة؟
يرى كبير الاقتصاديين في بنك بيبلوس نسيب غبريل أننا نعاني أزمة ثقة حادة أدّت الى أزمة سيولة، وبالتالي فقد تبيّن انّ الحلول التي اتخذتها السلطات وتحاول تطبيقها لم تتمكّن من لجم السوق السوداء وهي إجراءات موضعية لا تسدّ الفراغ الذي تركه التأخر في تطبيق الاصلاحات. وحده تطبيق الاصلاحات يؤدي الى صدمة إيجابية في الاسواق ويؤدي بدوره الى ضَخ السيولة. فالكل يعلم انّ مصرف لبنان عمد منذ شهر كانون الاول الى اتخاذ إجراءات موضعية عبر اصدار تعاميم مؤقتة لتعبئة قسم من الفراغ الذي سَبّبه التأخر في تطبيق الاصلاحات البنيوية. فالقطاع الخاص والمواطن والاغتراب اللبناني بحاجة لأن يلمس إصلاحات جدية، وما عاد يقتنع بالخطابات وتشكيل اللجان.
ورداً على سؤال، إقترح غبريل ان تفتح السلطات خطاً ائتمانيّاً بالدولار من الخارج بما بين 4 الى 6 مليارات دولار بفوائد منخفضة او شبه صفر في المئة مقابل قسم من احتياطي الذهب لضَخّها من خلال المصارف في الاسواق لإراحة الشركات والسوق والمودع تدريجاً، الى حين بدء الاصلاحات والاتفاق مع صندوق النقد الدولي. نحن نعلم انه لا يمكن المَس بهذا الاحتياطي الّا بتصويت أكثرية مجلس النواب وفي وقت الازمات فقط، ونحن اليوم في أزمة.
وشدّد غبريل على انّ أهمية صندوق النقد لا تكمن فقط في كونها ستضخ أموالاً الى لبنان، إنما لِما لهذه الخطوة من مصداقية للبرنامج الاصلاحي وانضباط لتطبيقها، ما من شأنه ان يشجّع بلداناً أخرى على ضَخ سيولة في لبنان.
وقال غبريل: لو طبّقت الحكومة الاصلاحات التي طلبها «سيدر» لما وصلنا الى ما وصلنا إليه اليوم، فمنذ نحو 4 سنوات قيل انّ هناك 90 مؤسسة عامة انتفى جدوى وجودها، فلماذا لا يتم دمجها او إغلاقها الآن حتى قبل انتهاء التفاوض مع صندوق النقد؟ لماذا لا يزال لدينا الآلاف من الوظائف الوهمية في القطاع العام ولم يتم إلغاؤها بعد بدلاً من اللجوء الى شطب رأسمال المصارف وفق ما نَصّت عليه خطة الحكومة؟ لماذا لا يتم ضبط الحدود ومكافحة تهريب المازوت والطحين المدعومين من مصرف لبنان؟
لماذا لا تتم إعادة النظر بخطة الكهرباء خصوصاً بعد تراجع اسعار النفط عالمياً الى مستويات قياسية؟ لم لا تقر اللامركزية في الانتاج ويتم إعطاء تراخيص للقطاع الخاص لإنتاج الكهرباء؟
كما تساءل لماذا لا يتم تحويل رواتب موظفي شركات اصبحت عامة من الدولار الى اللبناني؟ وهذا الامر ينطبق على سبيل المثال، على موظفي undp الذين يقبضون رواتبهم بالدولار، علماً انّ الدولة تدفع حوالى 90 في المئة من كلفة هذه الرواتب. فتحويل هذه الرواتب الى الليرة اللبنانية يعكس جدية في التعاطي، وبالتالي انّ هذه الاجراءات متى طُبّقت كفيلة بإعطاء الثقة وخَلق صدمة إيجابية في السوق.
الصرافون
وكان أمين سر نقابة الصرافين محمود حلاوي نقل أمس الى رئيس مجلس النواب نبيه بري أجواء الآلية المعتمدة في قطاع الصيرفة وكيف يمكن أن نساعد في ضبط سعر صرف الليرة وعدم ترك السوق السوداء في مجالها بالمضاربة عليها، لافتاً الى انّ مقوّمات نجاح الآلية، أوّلاً: هي استمرار ضَخ الدولار من قبل مصرف لبنان بالشكل الذي يكفي حاجة المجتمع، وثانيا: التزام القوى الامنية بقمع السوق السوداء وإلغائها نهائياً قدر الامكان. وثالثاً: شرحنا له انّ الصيارفة هم من يسعون لترشيد بيع الدولار بطرق سليمة ومدروسة وبشكل ان لا يباع الدولار فقط لمجرد المضاربة على الليرة».
أضاف: «انّ الضَخ يؤمّن نصف حاجة السوق او حتى الثلث، وهذا الأمر يدفع التجار الى الذهاب للسوق السوداء. فكلما تم تشديد التدابير الامنية كلما ضعفت السوق السوداء والتاجر حُكماً سيصبح مُجبراً بأن يرشّد استيراده، بمعنى انه اذا كان اليوم يستورد بمليون دولار ويكدّسه في المستودعات، حينها سوف يستورد بـ 500 ألف دولار لزوم المستهلك المباشر».
الجمهورية