أمر عمليات ايراني : “الحرب المؤجلة” تقترب..
لا يزال الفيديو الذي نشره
حزب الله مصوّراً ضربات صاروخية “دقيقة” لأهداف إسرائيلية، يتفاعل في
الأوساط المحلية والدولية. تختلف التقديرات وتتنوع الاحتمالات حول غاية
الحزب لنشر هذا الفيديو. في المنحى التبسيطي، فإن حزب الله عمد إلى التذكير
بقدراته وإلى إثبات قوته أمام شعبه وجمهوره وبيئته، لا سيما بعد موقف
أمينه العام الأسبوع الفائت القائل أن الحزب لن يتراجع. وبالتالي، كانت
النيّة هي شد عصب الجمهور، والقول له إنه الأقوى في المعادلة، وقادر على
ضرب أهداف في الداخل الإسرائيلي، الأمر الذي قد يغير معادلة الصراع. وتكمل
هذه النظرية بالقول إن من يريد شن ضربة عسكرية لا ينشر فيديوهات. العملية
الإعلامية تعني استبعاد الخيارات العسكرية.
أمر عمليات إيراني
أما
التقدير المركَّب، فيعتبر أن لجوء الحزب إلى نشر الفيديو والإعلان بشكل
رسمي عن امتلاك صواريخ دقيقة، مع نشر خرائط لمواقع عسكرية إسرائيلية، هي
أمر عمليات إيراني واضح المعالم، حتى أن الخرائط قد تكون مأخوذة إما من
أقمار صناعية إيرانية، أو من عمليات تصوير للمسيّرات التي يمتلكها حزب
الله. وهو عمل كثيراً في الفترة الأخيرة على تطوير هذه المسيّرات، القادرة
على حمل متفجرات أيضاً. هذا الأمر الإيراني يندرج في خطوات التصعيد
المتعددة. فالأسبوع الفائت، إلى جانب مواقف حزب الله التصعيدية في السياسة
الداخلية، كانت هناك عمليات إطلاق صواريخ حوثية باتجاه الأراضي السعودية،
وتفجيرات استهدفت المنطقة الخضراء في بغداد. وبالتالي، هناك تكامل في تسخين
هذه الجبهات أو إيصال الرسائل فيها.
السؤال هنا، هل يريد حزب الله
الدخول في هكذا حرب؟ الجواب البديهي يكون بالنفي. لا الأزمة الاقتصادية
ولا الوضع اللبناني برمته قابل لذلك. والحزب لا يريد تحمّل مسؤولية أي حرب
قد تكون تدميرية على مختلف الصعد. لكن أيضاً يصح هنا السؤال: هل يمكن
للإسرائيلي والأميركي استغلال هذا الفيديو وتضمينه اعترافاً من قبل حزب
الله بامتلاكه صواريخ دقيقة لشن حرب أو ضربة موضعية تستهدف مخازن هذه
الصواريخ؟ لا جواب واضحاً. قد يكون ذلك ممكناً وقد يكون التركيز حالياً على
العقوبات والضغوط الاقتصادية، التي قد تؤدي أفعالاً كثيرة تغني عن المعارك
العسكرية. مع ذلك، يجوز التساؤل: ماذا لو استهدفت إسرائيل مواقع الصواريخ
التي أعلنت سابقاً أنها تمتلك معلومات عن أماكن وجودها؟ وهل ستتمكن من
تدميرها مثلاً؟ وكيف سيكون رد حزب الله؟ هنا يدخل المرء في مغاور كثيرة من
التحليل، كلها تشير إلى تغيير قواعد اللعبة بشكل جذري، وقد تؤدي إلى حرب
مفتوحة.
حرب الاستخبارات والعقوبات
تشير
معلومات مؤكدة أن الحرب الإستخبارية قائمة بشكل يومي بين الطرفين. بعضها
يتم إعلانه والبعض الأكبر يبقى في الإطار السري. ما يعني أن الحرب قائمة،
لكنها بلا معارك ولا حروب ولا ضربات. إذ أن الضربات تقتصر على سوريا فقط.
لكن ذلك لا يعني أن عدم جعل لبنان ساحة مستهدفة أمراً مستبعداً، عندما
تقتضي الحاجة، وربما إذا ما فشلت العقوبات الاقتصادية عن تأدية مهامها، ولم
يتوصل الإيرانيون والأميركيون إلى اتفاق على التفاوض. عندها سيكون لبنان
في عين عاصفة مدمرة. خصوصاً أن هناك من يعتبر أن الإسرائيلي سينتهز هذا
الفيديو وغيره من الذرائع، لشن حرب أو عملية عسكرية، وربما يكون هناك من
يذهب في اتجاه جعل التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب شريكاً في هذه الضربات،
بعد الضغوط التي يتعرض لها حزب الله أوروبياً عبر تصنيفه على لائحة
الإرهاب.
هناك من يعتبر أن الحرب تقترب. عوامل كثيرة قد تدفع باتجاهها، إذا لم تؤد العقوبات ما هو مطلوب منها. وتتزامن مع حاجة نتنياهو إلى خطوات من هذا النوع لتعزيز وضعيته في الداخل، خصوصاً إذا ما فشل في خطوة ضم الضفة الغربية، في ظل الضغوط الدولية التي يتعرض لها. وقد تكون أيضاً نوعاً من حاجة للرئيس الأميركي دونالد ترامب على أبواب الانتخابات الرئاسية. وكذلك، فإنها تنسجم مع ما يحكى عن تفاهمات أميركية روسية حول تحجيم النفوذ الإيراني في سوريا، وما يضغط في سبيل تحقيقه الإسرائيليون على موسكو.
الحرب مؤجلة، وقابلة لأن يتجنبها الطرفان. لكن ذلك لا ينفي الاهتمام الدولي بما يجري على الساحة اللبنانية، خصوصاً أن الرسائل الدولية تتوالى إلى مختلف اللبنانيين.
وتكشف المصادر أنه بعد نشر حزب الله للفيديو، كانت الرسائل الإسرائيلية مباشرة من خلال الغارات الوهمية والتحليق الكثيف للطيران الحربي الإسرائيلي في كل الأجواء اللبنانية، وتزامنت مع رسائل دولية وصلت إلى المسؤولين اللبنانيين بأنه في حال أي خطأ بالحسابات سيدفع لبنان كله الثمن، ولن يكون هناك أي فصل بين حزب الله والدولة اللبنانية.
المدن