القراءة في زمن الغلاء: اللبنانيون يبيعون كتبهم
من بين الأزمات الكثيرة التي حلّت في الربوع اللبنانية، في ظل الكورونا وارتفاع سعر الدولار وجحيم الغلاء، هناك أزمة تراجع مبيعات الكتب بالتزامن مع ارتفاع سعرها. فالكورونا في البداية، عطلت السياحة والسفر، وبالتالي قلصت بيع الكتب بشكل كبير، اذ إن بعض دور النشر يعتمد في مبيعاته على المكتبات المحلية و”الإجر الغريبة” كما يقولون، أي المغتربين اللبنانيين أو السياح العرب، خصوصاً من العراق والبلدان الخليجية.
يقول علي بحسون، وهو من أقدم العاملين في دار الفارابي، إن المبيعات المحلية في الدار تراجعت من 32% إلى حدود 7%، والكارثة الكبرى تكمن في السوق العربية، إذ تراجعت من 40% الى ما دون 10%، بالتزامن مع إلغاء المعارض في معظم العواصم العربية. أما عن سعر الكتاب، فيقول بحسون إن دار الفارابي تسعّر دولارها بثلاثة آلاف ليرة وبحسم 40%، وهذا الرقم يبدو وسطياً مقارنة بأسعار كل شيء في الأسواق، لكنه مع ذلك يبقى مرتفعاً بالنسبة للمواطن وقدراته الشرائية في جحيم الغلاء. وإذا كان بعض دور النشر يلجأ الى التخفيضات لتفعيل حركة البيع في ظل الركود، فإن ثمة مكتبات تتعاطى مع الكتاب كسلعة تجارية تتبع سعر الدولار، فبعض كتب أمين معلوف مثلاً أصبح سعره 45 ألف ليرة… وهناك كتب زاد ثمنها ثلاثة أضعاف.
كثر من القراء والمتحمسين لشراء الكتب، باتوا يفكرون طويلاً قبل الإقدام على شراء أي كتاب… تقول فرح الدهني، وهي قارئة وكاتبة في بعض الأحيان، إنها ذهبت لشراء بعض الكتب من مكتبة في صيدا، فقال لها صاحب المكتبة “لا انصحك الآن بشراء أي كتاب لأن السعر أصبح على دولار السوق السوداء”… كانت نصيحته كافية للتراجع والعودة عن متابعة شراء الكتب. وتضيف فكرتّ بشراء الكتب أونلاين، دخلت صفحة إحدى المكتبات التي بدت مربكة في تحديد الأسعار، بين السعر القديم وسعر الدولار الجديد، طلبت 5 كتب ثمنها 150 ألف ليرة، حين كان الدولار في حدود 4 آلاف ليرة في السوق السوداء، “لكني عدتُ وعدلتُ عن الفكرة بسبب الغلاء. فهذه المجموعة من الكتب كان ثمنها 100 ألف ليرة، وربما بات سعرها الآن 250 ألفاً مع تقلّب سعر الصرف. والسبب الأخر لابتعادي عن شراء الكتب هو احتكار المكتبات، ثمة كتب مهترئة على الرفوف، أكلها الغبار في بعض المكتبات، وحين عزمت على شراء بعض منها، قال لي صاحب المكتبة: “كل الكتب على سعر الدولار الجديد”…
قبل موجة كورونا والغلاء، كانت فرح تشتري شهرياً 4 أو 5 كتب، ثمنها بين 50 و75 ألف ليرة، وتراوح سعر الكتاب الواحد بين 15 و30 ألف ليرة كحد أقصى. اليوم، “تبدلت المعايير وأسعار المواد الاستهلاكية باتت نارية، والأولوية لأشياء أخرى في الحياة”. حتى قصص الأطفال التي كانت فرح تشتريها لابنتها، توقفت عن شرائها، وبدأت تستعيرها من مكتبة البلدية. تقول إنها كتبت في صفحتها الفايسبوكية أنها تبحث مكتبة بأسعار مقبولة، ففوجئت بكمية التعليقات والمراسلات من مواطنين يريدون بيع كتبهم وموسوعاتهم… وهذه إشارة إلى واقع الأزمة التي نعيشها وتلف يومياتنا، كأن كل شيء بات معروضاً للبيع في ظل حكومة مواجهة التحديات، من الكتب إلى الثياب والأحذية والذاكرة والصحون والهدايا والذهب والأثاث وربما الأعضاء البشرية…
هناك ترقب وانتظار وشعور بالبلادة، يجعل الاهتمام بالكتب مؤجلاً. فحاجة المعدة، قبل حاجة الذهن في هكذا ظروف… يقول الروائي فوزي ذبيان: “كنت أشتري الكثير من الكتب وأمضي وقتي في القراءة، منذ أزمة كورونا بدأت أعود الى قراءة الكتب التي اشتريتها سابقاً ولم أكن قد قرأتها، ومنذ نهاية حظر كورونا اشتريت كتاباً واحداً، الأسعار لم تعد محمولة، زادت ثلاثة أضعاف، والآن لكي أشتري كتاباً، علي الانتظار حتى بداية الشهر. فمعدل أسعار الكتب بحدود 40 ألف ليرة وما فوق”. ويقول الناقد جان هاشم: “اشتريت كتباً عربية، أما الفرنسية فلا تقرَبْ ولا تتغرّبْ”.
ويقول الطبيب والشاعر السوري فؤاد م. فؤاد، اشتريت الكثير من الكتب من “مكتبة أنطوان”، الكتب الأجنبية زادت بمقدار الضعف على الأقل، والعربية أغلى بمعدل 30%. واشتريت أيضاً من مكتبة Internationale، سعر الدولار مرة كان 2000 ومرة 3000 ليرة. لكننا لم نعد نجد كتباً أجنبية جديدة.. كل الكتب الموجودة قديمة للأسف… دار النهار في الحمرا، ما زالت أسعارها على حالها، لكن كتبها كلها قديمة، والمكتبة الشرقية ضاعفت الأسعار مرة، أو مرة ونصف”.
بالطبع لا غرابة أن يكون الكتاب في أزمة كبيرة الآن، طالما أن الأمعاء اللبنانية في طريقها الى الخواء..
المدن