كرة “الحياد”.. أتدفع حزب الله إلى حرب مع إسرائيل؟
قيل إن بعض الضربات العسكرية الإسرائيلية في سوريا قبل أيام، استهدفت مواقع للإيرانيين وحزب الله في سوريا، يضم أحدها غرفة عمليات مستحدثة. وتؤكد التقديرات أن وتيرة هذا النوع من الضربات ستستمر وتتزايد.
معادلات رد حزب الله
والتحول
النوعي في هذه الضربات لم يعد محصوراً بالساحة السورية. فالتفجيرات
والحرائق التي شهدتها مواقع إيرانية حسّاسة وأساسية داخل إيران، مؤشر على
تحول كبير في مسارات الصراع. إنها حرب الضربات المفتوحة وغير المعلنة.
والعلنية منها تظل منحصرة في سوريا فحسب. لكن لا شيء يمنع من توسع رقعة هذه
الضربات إلى لبنان، وسط التعقيد المستمر في مسألتي ترسيم الحدود وصواريخ
حزب الله الدقيقة، اللتين يمارس في إطارهما الأميركيون والإسرائيليون
مزيداً من الضغوط، مدارها توسيع صلاحيات عمل قوات الطوارئ الدولية في
الجنوب.
وكان أمين عام حزب الله، السيد حسن نصر الله، قد أعلن سابقاً
معادلتين للتعامل مع الضربات الإسرائيلية: الأولى ضربة في مقابل ضربة التي
ثبّتها حزب الله بعد اغتيال سمير القنطار. الثانية بعد قصف إسرائيلي أدى
إلى سقوط ضحايا في صفوف حزب الله الذي ردّ باستهدافه ناقلة جند في منطقة
متنازع عليها. ودخل عامل مستجد على هذه المعادلة، بعد محاولة استهداف
مسيرتين إسرائيليتين حي معوض في ضاحية بيروت الجنوبية. حينذاك لم يرد حزب
الله من سوريا، بل من الأراضي اللبنانية، أي من نطاق عمل القرارات الدولية،
على الرغم من ما قيل عن الطابع المسرحي لذاك للرد.
لبنان يدخل دائرة المواجهات؟
يفترض
بهذه المعادلة أنها لا تزال سارية. والضربة الأخيرة التي تلقاها حزب الله
في سوريا، لا بد من توقع ضربة مقابلها من الحزب. وما يعزز هذا الاحتمال أن
حزب الله نعى أحد شهدائه الذين سقطوا بالغارات الإسرائيلية الأخيرة في
سوريا. وهنا لا بد من التذكير بمعادلة أطلقها نصر الله مرة: في حال سقط
ضحايا للحزب، سيرد بهدف تحقيق إصابات مباشرة في صفوف الإسرائيليين،
وبالأرواح تحديداً. عليه، لا بد من توقع رد من حزب الله، ويبقى للحزب أن
يختار التوقيت والمكان، سواء من لبنان أو من سوريا، أو من منطقة ضائعة ضياع
الحدود غير المرسمّة.
الضربات والضربات المضادة السابقة، كانت تسبقها تحركات سياسية وديبلوماسية دولية على خطّ التهدئة بين الطرفين، على نحو يجعل الردّ غير فاعل لإشعال شرارة حرب لا تهدأ. ونجحت هذه المحاولات سابقاً.
اليوم قد تتكرر المساعي نفسها، لكن لا أحد يضمن النتائج. فبعد
الحجم الهائل للضربات التي اتسع نطاقها في سوريا، وطالت الحدود العراقية
السورية، وداخل الأراضي الإيرانية، يتوقع ألا يبقى لبنان مستبعداً من مثل
هذه الضربات.
صعوبة تراجع طهران
من الواضح أن هناك
استدراجاً إسرائيلياً – أميركياً لإيران للدخول في معركة، لا سيما بعد
التفجيرات التي استهدفت المواقع الإيرانية المتصلة مباشرة بالملف النووي
الإيراني أو بمجالات الطاقة. دول عديدة تسارع للجم التصعيد ومنع اشتعاله.
لكن هناك وجهة نظر أصبحت شبه يقينية بأن هذا التصعيد الكبير لا يمكن أن
ينتهي بلا حرب.
فالتوتر بلغ درجة يصعب الرجوع منها إلى الوراء، إلا بتنازلات هائلة. والتنازلات تظهر إيران بموقع المتراجع والخاسر. وهذا لا ترتضيه طهران. وتنازل من هذا النوع سيطال في لبنان مسألة ترسيم الحدود، وتخزين الصواريخ في جنوبه. وإذا ما عمل حزب الله على التفاوض وقدّم تنازلات يكون قد رضخ للضغوط، وخضع لمساومة إنجاز التسوية.
لكن التجارب مع حزب الله وإيران تبين أن التسويات معهما تأتي بعد حروب، تجيد فيها طهران وحلفاؤها تصوير انتصاراتهما.
المواجهة لإنهاء الكلام على الحياد؟
لذا،
تشير التقديرات إلى أن المواجهة الكبرى تقترب، ما لم تحصل تطورات
استثنائية. لا شيء يوحي بأن آفاق التسوية مفتوحة. التصعيد مستمر وقابل
للانفجار في أي لحظة. حزب الله يعرف ماذا يريد في لبنان، هو يقود معركته
على هذا الأساس. واليوم قد تكون معركة ما مع إسرائيل، هي وحدها القادرة على
إنهاء الكلام المندفع عن حياد لبنان.
وهذا يذكر بحرب تموز 2006 التي أنهت اللغط الدائر حينذاك عن سلاح حزب الله وعن الخطة الدفاعية. ومن وحي تلك الحقبة يمكن للحزب إياه أن يستنتج اليوم أنه لا يمكن تكريس الحياد في ظل اعتداءات إسرائيلية. فطرح الحياد والسير في ركابه وتزايد كلام خصوم الحزب عنه، قد يدفعه إلى التعلّق بمعادلاته أكثر فأكثر. وهي المعادلات التي يرى أنها كفيلة بفك أنواع الحصار التي يتعرض لها.
هذا كله يتكامل مع ما طرحه المفتي الجعفري الممتاز أحمد قبلان، عندما قال إن “المارد لن يعود إلى القمقم”، في إشارته إلى أن الطائفة الشيعية في لبنان هي الأكبر والأقدر والأقوى. وهذا يعني أن أي تسوية لا بد لحزب الله من قبض ثمنها سياسياً، وربما دستورياً. وهذا النوع من التسويات غالباً ما تسبقه معارك وحروب.
المدن