أميركا تتسيّد أجواء المنطقة: حرمان إيران من مطار بيروت؟
لم يعد للاستفزازات
الإسرائيلية والأميركية حدود أو رادع. وصل الأمر بالنسبة إلى الأميركيين
إلى حدّ اعتراض الطائرات المدنية الإيرانية. أياً كان المسوغ، فلا يمكن
تبرير مثل هذه الخطوة. لكن الأميركي واضح في ما يرمي إليه. يلوّح بشكل
عملاني أنه قادر على عرقلة كل مسار الطائرات الإيرانية إلى لبنان.
ورمزية
اعتراض طائرة إيرانية في الأجوء السورية، يعني أن الأميركي يقول من خلالها
إنه قادر على السيطرة على الأجواء الإيرانية والسورية واللبنانية معاً.
وقادر على منع وصول هذه الطائرات إلى لبنان، بمعزل عن عدم اتخاذ الحكومة
اللبنانية لأي قرار بوقف الرحلات مع إيران، أو حسب الإدعاء الأميركي، عدم
تفتيش هذه الطائرات كما يجب. فيتمكن حزب الله والحرس الثوري الإيراني من
تهريب الأموال والأسلحة على متنها، طالما أن المطار خاضع لسيطرة الحزب
وقادر على إدخال كل ما يريده.
استراتيجية جديدة
يأتي
هذا التطور الأميركي في ظل الضغط المستمر لتوسيع صلاحيات قوات الطوارئ
الدولية. وهنا المؤشر الخطير. وكأن الأميركيين يخيّرون حزب الله
والإيرانيين واللبنانيين: إما عليهم الرضوخ لما تفرضه واشنطن، أو أن
الخيارات ستكون أقسى. وتلك تجربة واضحة من خلال الإصرار الأميركي قبل أشهر
على مبدأ ترسيم الحدود. ولما استمر لبنان بتمنّعه وتعنّته وصل إلى الانهيار
وإلى الحصار غير المعلن.
يؤشر ذلك إلى الإستراتيجية
الأميركية الجديدة في التعاطي مع الملفات اللبنانية. يناقش الأميركيون
المسؤولين اللبنانيين بما يجب فعله. إذا استجابوا، يكون الأمر مسهلاً
للتفاوض. وبحال تمنّعوا وعارضوا، لم يعد الأميركيون يعتمدون على ما اعتمدوه
سابقاً من وسائل إقناع ديبلوماسية ووساطات تنصح لبنان بالموافقة على ما هو
معروض عليه. إنما يُترك اللبنانيون لخياراتهم وتلجأ واشنطن لخياراتها
التصعيدية.
ضبط المطار
هذه الخيارات وصلت إلى
حدّ اعتراض طائرة مدنية، للإشارة إلى معادلة مفادها: إذا لم تتمكن الحكومة
اللبنانية من ضبط حركة المطار، ومنع إدخال الأموال والأسلحة لحزب الله، فإن
واشنطن قادرة على ذلك. هذا المبدأ يتقابل مع الضربات الأميركية
والإسرائيلية لقوافل الدعم العسكري والمالي الإيراني إلى حزب الله عبر
الأراضي السورية. كل قوافل الأسلحة التي يعمل الحزب على تمريرها من سوريا
إلى لبنان يتم استهدافها. وبذلك، تردّ واشنطن على رفض الحكومة اللبنانية
لمبدأ ضبط المعابر غير الشرعية ووقف الحزب لإدخال الأسلحة، ولا سيما
الدقيقة والمتطورة إلى لبنان.
ما بعد اعتراض الطائرة
المدنية الإيرانية، لا بد من انتظار المزيد من أساليب الضغط غير المتوقعة.
طبعاً، يبرر الأميركيون هذه العملية بأنها تهدف إلى توفير حماية
لمقاتلاتهم، أو بهدف رصد وملاحقة إحدى الشخصيات على متن الطائرة. لكن هذه
كلها مواقف غير جدية.
الاضطرار إلى الرد
زاد
منسوب الاستفزازات والضغوط، من الضربات في إيران، إلى القصف الأخير على
سوريا، والذي أدى إلى سقوط خسائر بشرية. الأمر الذي تعهدت إيران وحزب الله
سابقاً بعدم تمريره من دون ردّ، وصولاً إلى إشارة الاستعداد لتطويق حركة
الملاحة الإيرانية، جواً هذه المرة، بعد حريق في مصنع للسفن. وكان مؤشراً
لتطويق حركة الملاحة البحرية الإيرانية.
مقابل هذه الخطوات الأميركية، لم يعد أمام إيران الكثير من الفرص للمناورة والتحمّل من دون ردّ. لا بد من البحث عن ردّ نوعي، لكن من دون انفجار الحرب وانفلاتها من عقالها. وحزب الله أيضاً لن يكون قادراً على عدم الردّ. وهو معني بالبحث عن ردّ نوعي يتمكن من خلاله إعادة الاعتبار لتوازن الردع. منسوب المواجهة يتصاعد ويكبر، وربما يقترب الصدام. ومدار هذه المواجهة يحيل كل النقاشات الإصلاحية والسياسية والتقنية والمالية إلى مجرّد تفاصيل، فيما أفق الحرب مفتوح.. أو خيار التسوية بعد تنازل كبير.
المدن