هل يصون ناصيف حتّي تاريخه الديبلوماسي ويستقيل؟
تنقسم حكومة حسان دياب إلى من هم مقتنعون بضرورة بقائها كفرصة
وحيدة أتيحت لههم للإمساك بحقيبة وزارية، ومن هم يعتبرون أن لا بديل عنهم،
في ظل هذه الظروف. وقسم ثالث بدأ يستشعر خطر بقائه وانعدام جدوى وجوده في
هكذا تشكيلة هشة، تمثّل إهانة لمبدأ “التكنوقراط”. بعد تجربة هذه الحكومة،
لا بد من تكريس قاعدة إخضاع أي مشروع وزير إلى فحوص طبية نفسية، وإبقاء
معالجين نفسيين يتابعون أحوال الوزراء، وما قد يقترفونه من أهوال، بفعل
انتقالهم بغفلة من الزمن من مكان إلى مكان، أو من مرحلة إلى أخرى. معظمهم
ينتشي بالموقع والمنصب، من دون امتلاك أي رؤية أو خطة.
أسوأ التجارب
القسم
الأول، بعض أعضائه يبحثون في كيفية تكرار تجربة رئيس الحكومة حسان دياب،
والانتقال من الجنة الوزارية إلى جنّة رئاسة الحكومة. وآخرون يعتمدون
أساليب التطبيل والتمجيد سعياً لتكرار تجربته الوزارية. القسم الثاني لا
يرى أعضاؤه المساوئ التي تأتي به هذه الحكومة على لبنان واللبنانيين.
ويقدّمون أنفسهم كأفضل التجارب، وأنهم يعملون على دفن من سبقهم وإسقاط كل
من كان قبلهم. أما القسم الثالث، فهم يتمتعون بواقعية ولو كانت بسيطة،
ويعترفون بالفشل، ويعرفون أن الحكومة لم تتخذ أي قرار غير المواجهة مع
اللبنانيين ومع المجتمع الدولي، وهي حكومة تدار من قبل طرف سياسي واحد.
يعرف هؤلاء الوزراء أن تجربتهم من أسوأ التجارب التي جاءت على
المسرح السياسي اللبناني، منهم من بدأ يعترف في مجالسه الخاصة، بأن كل
محاولات التنزيه وتحميل المسؤولية للآخرين الذين سبقوا، لم تعد تنطلي على
اللبنانيين. فهي الحكومة ذات التجانس السياسي الواحد، والولاء الواحد. ولم
تقم بأي خطوة لتحقيق إنجاز واحد بالحدّ الأدنى، لا بل إن ما يظهر يشير إلى
أنها تتعمد التدمير الممنهج. وهم ينظرون إلى أيام مقبلة ستكون أسوأ. وحينها
سيُجلدون فيها كثيراً، ولن يتمكنوا من الاستمرار في تنزيه أنفسهم والتمايز
عن الآخرين.
ظلال باسيل
من بين هؤلاء الوزراء
مثلاً، وزير الخارجية ناصيف حتّي، الذي نُظر إليه يوم تم تعيينه وزيراً،
كصاحب تجربة وعلاقات جيدة، انطلاقاً من حياته الديبلوماسية. يقول حتّي في
أوساطه إنه يستعد لتقديم استقالته الأسبوع المقبل. يكثر من الحديث حول
الاستقالة. ليس بالضرورة أن يقدم على هذه الخطوة بشكل جدّي. قد يكون تلويحه
بها له أكثر من هدف، كاستعطاف المواقف المحلية والخارجية. وقد يلجأ إلى
خطوة بطولية، بالتخلي عن المنصب والموقع، طالما أنه أصبح على يقين أن
الحكومة لن تحقق شيئاً.
أسباب كثيرة تدفع حتّي إلى التفكير بالاستقالة، أولها أنه لم
يستطع تعيين فرد واحد من أفراد فريق عمله في وزارة الخارجية. وهو قال لأحد
المقربين منه إن جبران باسيل يمسك بمفاصل الوزارة كلها. وهو غير قادر على
اتخاذ أي قرار. وأكثر من ذلك، هو غير قادر على إنجاز التعيينات
الديبلوماسية، بسبب تطويق باسيل له، وبسبب مطالبه التي لا يمكن لأحد أن
يتمكن من تلبيتها، لأن باسيل يريد كل شيء، ويريد أن يبقى وزير خارجية الظل.
أخطاء دياب
السبب
الثاني، هو الأخطاء الديبلوماسية التي تقترفها الحكومة ويرتكبها رئيسها
حسان دياب في تعاطيه مع المسؤولين الدوليين. من الأخطاء القاتلة مع السفيرة
الأميركية دوروثي شيا، إلى إتهام المجتمع الدولي بالتآمر على لبنان،
وصولاً إلى خطأه مع وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، بينما كانت
فرنسا آخر الدول العاملة على خط مساندة حكومة دياب، والتعاطي معها بحكم
الأمر الواقع ومحاولة تسهيل مهمّتها.
هذه الوقائع التي لا تقبل النقض، تضع وزير الخارجية ناصيف حتّي في موقف حرج إلى حدود بعيدة، وهو سمع الكثير من الملاحظات والانتقادات من مسؤولين دوليين، إلى حدّ لم يعد معه قادراً على التحمّل.
المدن