أزمة صامتة بين عون والحريري…
بدأت تلوح في الأفق بوادر أزمة صامتة بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري، على خلفية إصرار الأول على دعوة مجلس الوزراء للانعقاد من منطلق أن المجلس مجتمعاً هو السلطة التي تُطرح أمامها كل الإشكالات السياسية والأمنية في مقابل عدم ممانعة الحريري من ضرورة انعقاده، خصوصاً أنه «المتضرر الأول من تعطيلها»، كما تقول مصادره، مشددة على أنه لم يترك باباً إلا وطرقه لتهيئة الأجواء أمام انعقاد مجلس الوزراء لسحب فتيل التفجير وتحييد الحكومة عن التداعيات الأمنية والسياسية لحادثة الجبل التي يُترك للقضاء البتّ فيها.
وشكّلت مبادرة رئيس الجمهورية بالطلب من رئيس الحكومة دعوة مجلس الوزراء للانعقاد مفاجأة للوسط السياسي الذي كان ولا يزال يراهن على أن تؤدي المبادرات التي يقوم بها المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم إلى فك ارتباط بين الحادثة التي أُحيلت إلى المحكمة العسكرية وانعقاد مجلس الوزراء، لئلا يغرق الأخير في مادة سياسية مشتعلة قد تدفع في اتجاه انقسام البلد عمودياً، وزيادة التوتّر في الجبل.
وتزداد المخاوف من أن تتطور الأزمة الصامتة بين عون والحريري على نحو يصعب السيطرة عليها وتدفع في اتجاه إقحام البلد في أزمة حكم، مع أن الحريري كان يبدي حرصه دوماً على التفاهم مع عون لتأمين استمرار التسوية التي التزم بها بخلاف رغبة السواد الأعظم من جمهوره ومحازبيه في تيار «المستقبل».
ويصر الحريري، رغم ما أصاب حكومته من تعطيل، على عدم الاختلاف مع عون لأن البلد سيدفع عندها ثمناً غالياً ليس في مقدور أحد تسديد فاتورته المكلفة، إضافة إلى أنه كان يحرص على التمييز بين علاقته برئيس الجمهورية من جهة، وعلاقته، من جهة أخرى، برئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل التي مرت ولا تزال في مراحل شاقة.
أما أن يطلب رئيس الجمهورية من رئيس الحكومة دعوة مجلس الوزراء للانعقاد بذريعة الالتفات إلى المشكلات التي يشكو منها البلد، فإن الأخير اتَّبع منذ حصول حادثة الجبل – وكما تقول مصادره لـ«الشرق الأوسط» – سياسة النَّفَس الطويل وأبدى كل مرونة لتوفير الحماية لمجلس الوزراء في حال انعقاده وقطع الطريق على نقل المشكلة إلى داخله.
ورأت المصادر نفسها أن الحريري كان ولا يزال صاحب المصلحة في التصدّي لكل من يحاول تمديد فترات تعطيل العمل الحكومي، خصوصاً بعد إقرار الموازنة. كما أن الحريري واجه بصبر حيناً وبالتصدّي أحياناً للمحاولات الهادفة للالتفاف على صلاحياته مع أن الضربات في هذا الخصوص كانت تأتيه من الشريك الآخر في التسوية؛ أي «التيار الوطني» ومعه بعض الفريق الوزاري المحسوب على رئيس الجمهورية.
لذلك لا اعتراض على مطالبة عون بعقد الجلسة، ومن حقه أن يطلب من الحريري دعوة الحكومة لضرورات استثنائية وطارئة انطلاقاً مما نصّت عليه المادة 53 من الدستور، لكن بالاتفاق مع رئيس الحكومة، بحسب ما ورد في الفقرة 12 من المادة نفسها. وفي هذا السياق، قالت مصادر وزارية لـ«الشرق الأوسط» إن عون توخّى من طلبه تمرير رسالة للداخل بأنه ليس هو من يعطّل انعقاد مجلس الوزراء ومن خلاله للمجتمع الدولي في ضوء ما يتردّد في الوسط الدبلوماسي الأوروبي والعربي بأن «التيار الوطني» يتزعّم الحملات التي تطالب بربط انعقاد الحكومة بإحالة حادثة الجبل على المجلس العدلي مقرونة، كما يظهر، بتحميل مسؤولية حصولها للحزب «التقدمي الاشتراكي» بزعامة وليد جنبلاط.