رفع حزب الله الغطاء.. فأقال برّي حسان دياب
حتى الاستقالة، خرج من يعلنها عنه. عند الخامسة والنصف تماماً، أعلن وزير الصحة في حكومة حسان دياب، استقالة الحكومة. بعده، أعلنت وزيرة العدل ماري كلود نجم أيضاً الاستقالة. بقي حسان دياب خلف مكتبه في السراي يوقع مراسيم، أو يرتب أغراضه تمهيداً للمغادرة. أُعلنت استقالة الحكومة قبل ساعتين من خروج رئيسها ليلقي كلمة على مسامع اللبنانيين، ويعلن فيها استقالته.
مساعي ابراهيم وإصرار برّي
كانت
تجربة غريبة على طبائع الحكومات، حتى تجربة شفيق الوزان لم تكن بمثل هذه
الرداءة. حفلة المزايدات ما قبل الاستقالة، والمناشدات الكثيرة لرئيس
الجمهورية ميشال عون حول وجوب إحالة جريمة تفجير المرفأ الى المجلس العدلي،
دفعته إلى الطلب من الحكومة اتخاذ قرار الإحالة. لا سيما أن كثراً قد
لاموا عون على عدم الإقدام على هذه الخطوة، فيما أصر بعد أحداث قبرشمون على
إحالة ملفها إلى المجلس العدلي.
كان يُفترض أن تعقد جلسة مجلس الوزراء في قصر بعبدا. ولكن بعد التخبط والضياع حول قرار الاستقالة من عدمه، اتصل دياب بعون للتشاور، فتوجه إليه رئيس الجمهورية قائلاً: “إذا ما أردت أن تستقيل في نهاية الجلسة، فلا داع لعقدها في القصر الجمهوري. بل استقل من السراي، وفيما بعد تأتي باستقالتك إلى القصر”. وهذا ما كان.
حتى اللحظة الأخيرة، كان دياب يبحث عن معجزة تبقيه في السرايا
الحكومية، رئيساً أصيلاً للحكومة. في هذا الوقت، كان اللواء عباس إبراهيم
يحاول القيام بمساع توفيقية لتجنب استقالة الحكومة، وسط خلاف كبير بين دياب
ورئيس مجلس النواب نبيه برّي. فأجرى ابراهيم زيارات مكوكية بين السراي
وعين التينة، ولم يفلح. منذ مساء الأحد، كان الرئيس نبيه بري عازماً على
إسقاط حسان دياب. لم يكن يريد أن يترك له فرصة الاستقالة، بل كان يريد
إقالته، إما باستقالة الوزراء أو بجلسة إقالة (سحب الثقة) في مجلس النواب
يوم الخميس، التي حددها لمساءلة الحكومة حول أسباب تفجير مرفأ بيروت.
“قنبلة” الانتخابات المبكرة
موقف
برّي كان واضحاً، لن يسمح لحسان دياب أن يستمر. حزب الله كان يريد بقاء
الحكومة، لكن دياب ارتكب خطأ جديداً قاتلاً مع برّي، عندما لجأ إلى الدعوة
لإجراء انتخابات نيابية مبكرة من دون تنسيق مع الحزب، أو بري أو عون. عندها
بدأ الحزب يتساءل إذا ما كان دياب يعطي أذنه لأحد ما، أم أنه رمى هذه
القنبلة لشراء الوقت وكسب غطاء دولي مرحلي. هنا استنفر برّي، واعتبر أن
دياب يعتدي على صلاحياته. جرت اتصالات بينه وبين الحزب، وكان حاسماً بأنه
لن يسمح لدياب بأن يستمر.
كلمة الفصل في استقالة الحكومة، كانت من قبل الأمين العام
للمجلس الأعلى للدفاع، العميد محمود الأسمر، عندما أصدر بياناً أعلن فيه أن
حسان دياب ومجلس الوزراء تبلغوا مضمون تقرير أمني حول وجود مادة نيترات
الأمونيوم في المرفأ، وبأنها مواد خطرة جداً وتهدد بيروت ولبنان. البيان
حمّل المسؤولية لدياب، في أنه لم يقم بما يجب القيام به. ومعروف أن دياب
وبعض الوزراء كان يمعنون في محاولة تطويق الأسمر ومحاصرته.
حزب الله وعون
بعد
بيان الأسمر، أصبحت الحكومة تتحمّل المسؤولية كاملة. عندها تحرّكت القوى
السياسية المعارضة للحكومة. بدأ وليد جنبلاط وسعد الحريري تحركاتهما لإدانة
الحكومة وإسقاطها. وضع جنبلاط خيارين، إما الحفاظ على المجلس النيابي أو
الحفاظ على الحكومة. وإذا لم تتحمل الحكومة المسؤولية وتستقيل، فإن
استقالات جماعية ستحصل من المجلس النيابي. عندها حصل تناغم بين جنبلاط
وبرّي حول ضرورة إسقاط الحكومة والحفاظ على المجلس النيابي. فلم يعد حزب
الله قادراً على منح الغطاء للحكومة، لا داخلياً ولا خارجياً.
الموقف في بعبدا كان ضبابياً. عون لا يريد التفريط بالحكومة.
كما أن سقوطها سيمثل خسارة لحزب الله. لكن لم يعد بالإمكان حمايتها. ولو لم
يستقل دياب، لكانت الحكومة أسقطت من المجلس النيابي في جلسة الخميس. رفض
دياب أي جلسة نيابية لمساءلة حكومته، وراهن على وساطة اللواء عباس إبراهيم،
لكن بري بقي مصرّاً على جلسة المساءلة، فيما دياب وبعض الوزراء يرفضون. لم
يعد من مجال أمام دياب للاحتفاظ ببقائه في منصبه، على الرغم من انه انتظر
مساعي اللواء عباس إبراهيم التي لم تصل إلى أي نتيجة.
..والحريري
قبيل
الاستقالة، ضغط عدد من الوزراء على الرئيس لإعلانها، لأنه لم يعد بإمكانهم
الاستمرار. أبلغوه بانه إذا لم يستقل فإنهم سيتقدمون باستقالاتهم ويتركونه
وحيداً. بهذا المعنى، حتى شرف الاستقالة لم يرد أن يمنحه لنفسه. فسقطت
الحكومة قبل أن يعلن دياب ذلك، لأن 7 وزراء قد أعدوا كتب استقالاتهم.
وفيما كان دياب ينتظر موعد إطلالته على اللبنانيين، كانت الاتصالات السياسية قد بدأت بين القوى للبحث عن حكومة جديدة. حصل تواصل بين الرئيسين عون وبري. وتشير المعلومات إلى أن بري تواصل مع الحريري لسؤاله إذا ما كان يريد ترؤس حكومة وحدة وطنية، فلم يجب الحريري، الذي بقي مصراً على شروطه التي كان قد وضعها سابقاً، حول جبران باسيل وحزب الله.
المدن