إنسانية الملك عبدالله الثاني واستشعاره للخطر …
بقلم : إخلاص القاضي* – الأردن
“لا يمكننا الوقوف مكتوفي الأيدي تجاه لبنـان”، جملة قالها جلالة الملك الإنسان عبدالله الثاني، في معرض مشاركته في مؤتمر دولي لحشد الدعم للبنان الشقيق بعد الانفجار “الكارثة” التي لم يشهدها هذا البلد في تاريخه وبهذه الطريقة وهذا الارهاب الممنهج لنتائجه، ولولا تفريغ طاقة هذا الدمار بالبحر، لازيلت بيروت عن خارطة لبنان، واستشهد مئات الآلآف، ولا وجدت “حفرة انهدام” جديدة، بفعل بشر لا يفهمون معنى الحفاظ على الدولة ومقدراتها وتاريخها ومنجزاتها وحضارتها ورقيها.
لم يقف الاردن يوما مكتوف الايدي حيال الاشقاء والاصدقاء، ورغم محدودية الموارد وقلة الامكانيات، يتصدر دائما قائمة الدول التي تقف الى جانب من يستغيث، حتى قبل أن يفعل، بقطع النظر عن مكانه وقربه أو بعده، وجنسه أو لونه وطيفه، وذلك من منطلق الواجب الإنساني والعروبي والقومي، وحيث نتساوى جميعا على مفترق طريق وعر، قد يودي بنا كلنا، اذا لم نتنبه لما وراء ما يحدث، وهذا ما شدد عليه جلالته، مستشعرا تعرضنا جميعا للخطر، انطلاقا من الازمة اللبنانية وابعادها، التي بينت ضرورة أن “نعمل مع بعضنا لنتخطى المصاعب”.
ليست المرة الاولى التي ينبه فيها جلالته من خطورة ما يحاك بالمنطقة ضمن أجندات تخدم عسكرة المنطقة وتحويلها إلى كانتونات واصطفافات وتحالفات، تضعها على برميل بارود قابل للانفجار في أي وقت، وما ال 2750 طنا من “نترات الأمونيوم” التي شكلت خزان وقود احتراق بيروت باكملها، أو كادت، الا النموذج ” الارهابي البشع” لارهاصات ما كان “يطبخ” من سيناريوهات وحجج، ومن يدري كم من “عنبر 12″ قد زرع في مناطق من لبنان، منتظرا ساعة صفر شبيهة قبيل النطق بالحكم باغتيال الشهيد رفيق الحريري، ووقتها ” علي وعلى اعدائي”، وسيناريو آخر مثيل، يحتاج فقط لصاعق وحجة !.
وحين يحذر جلالته من خطورة الوضع في لبنان، وينبه لضرورة التعاون لتخطي المصاعب، فانه يقرأ ما بين سطور ما يحدث، وكيف وصلت الأمور في هذا البلد المنكوب الى هذا الحد الكبير من الدمار، وكيف صنعت سياسة المحاور منه بيدقا، يأخذوه ذات اليمين وذات اليسار كلما أرادوا ” كش الرئيس”.
ولم تنقص جلالته الجرأة حين سمى الامور باسمائها موردا مصطلح “الهلال الشيعي”، وجلالته أول من استخدم هذه التسمية، محذرا منه، وذلك في تصريحات لصحيفة الواشنطن بوست عام 2004، معربا وقتذاك عن مخاوفه من وصول حكومة عراقية موالية لايران بالتعاون مع دول حليفة لها، والعمل على انشاء مناطق نفوذ إيرانية تمتد حتى جنوب لبنان، وفعليا هذا ما حصل، والجميع يعلم ماذا حدث وماذا يحدث الآن، ولا داعي للتذكير بما بات يفهمه الطفل قبل البالغ في هذا السياق.
ولكن جلالة الملك، وبحكمته وحنكته واستشرافه للمستقبل وقراءته العميقة للواقع ولمآلات الأمور، جنب الاردن عسكرة المحاور وتداعياتها القاتلة، وكان الاردن دائما على مسافة واحدة من كل الاشقاء والاصدقاء، ولم يعاد أحدا، ولم يقاتل احدا دون وجه حق، ولم يكيد لاحد، ولم يتآمر على أحد، وهو السباق لدعوات السلام والصلح والوفاق وعدم التدخل بالشؤون الداخلية للدول، وهو السباق أيضا للخير ورأب الصدع، وهو الذي نال سمعة عالمية بقدرته للحفاظ على أمنه واستقراره ونمائه وانتاجيته واستمرار عجلة الحياة فيه في محيط ملتهب، يتمنى البعض أن يقذفنا اليه، بل أن اصوات ناعقة تتمنى للاردن الخراب والدمار والدماء باسم التغيير والاصلاح، فيما يكيل البعض الآخر للاردن، ويُدفع المال لمن تبرأ من لسانه والفاظه، وتنكر لارضه واهله واصله فتبرأ منه الوطن وخسر هو رائحة ترابه وهواه.
هنيئا لمن خبر هذا الوطن ولمن عاش على ارضه، وهنيئا لنا قيادة ترسو بنا على شاطىء الأمان، ولم تتجاور السرعة يوما على طريق استقرارنا المدروس.
قالتها لي بالعامية اللبنانية وبالحرف الواحد الصديقة رنا رضوان على اثر مشاركتي لها عبر الواتساب حول كيفية تخزين الاردن ل “نترات الامونيوم”، قالت” ما فينا نشبه الاردن للبنان.. يا ريت عنا نظام ورقابة وأمان مثل عندكن بلبنان”، وقالت شقيقتها رانيا” عن جد بلد بشرّف باهلو ورئيسو الله يحميكن من كل شر”، فيما نشر الصحفي اللبناني عارف مغامس في موقعه الاخباري” اليومية” التقرير الذي يبين حرص الاردن الشديد لجهة طريقة تخزين هذه المادة، ولاقت مضامين التقرير رواجا كبيرا عبر صفحات التواصل الاجتماعي في الاوساط اللبنانية.
وفي عودة لدعوة جلالته للعمل معا لتخطي المصاعب في هذه المرحلة، لابد من اعادة لملمة الصف العربي/ العروبي، والتصدي بذكاء وحنكة وسلمية لكل محاولات النيل من أمن المنطقة والاستحواذ والقضم، الذي لا تجيده اسرائيل فحسب، بل من هم على شاكلتها ممن استباحوا الأرض العربية عبر وكلاء ووسطاء ومساعدين ومأجورين ومنفذي اجندات لتقسيم المقسم والظفر بمقدرات الامة وتاريخها وحاضرها.
ولابد ايضا من الدعوة لإنشاء “صندوق عربي” لإعادة إعمار مرفأ بيروت، بالتزامن مع الصندوق الدولي للغاية ذاتها ومبادرات اقليمية للمشاركة في ذلك.
وبعد،.. العزاء الكبير للبنان الكبير الذي سيحتفل بمئويته على وقع أشلاء وشهداء ودموع أمهات لم تسنح لهن الفرصة لوداع فلذات اكبادهن، الممزقة أجسادهم البريئة، على مذبح وطن لم يقدره من حكمه، ولا من يتحكم به..
حمى الله الاردن الخالد الآمن المستقر، والمجد والخلود للبنان الذي سيقوم من “تحت الردم” وسيكمل” بللي بقيوا”..
- كاتبة واعلامية في وكالة عمون الإخبارية في الأردن- عمان ووكالات وصحف عديدة