النقمة المسيحية واستقالة دياب: سقوط تفاهم مار مخايل
منير الربيع – المدن
عندما أخذ البطريرك الماروني بشارة الراعي موقفه مطالباً بالحياد، بدأت أحزاب الممانعة تستخف به. وحتى التيار العوني كاد أن يشنّ حملة على البطريرك. لكن التوجه المسيحي العام لجمه، مما خفف من خسائره مسيحياً. وبدأت في الكواليس محاولات تسخيف مواقف البطريرك، حتى ظهر أن مواقف الراعي تحظى بدعم فاتيكاني. وهذا ما تبلغه وزير الخارجية المستقيل ناصيف حتي لدى زيارته الفاتيكان.
سقوط حكومة الصواريخ
وأبلغ حتي المسؤولين بفحوى لقاءاته الفاتيكانية، فجاء الردّ بلسان
الممانعة، استعانة بمقولة أطلقها ستالين على البابا، الذي كان معارضاً
للاتحاد السوفييتي، فقال ستالين: “وكم دبابة لدى الفاتيكان؟”.
وجاء
جواب البعض سريعاً على الممانعين: الفاتيكان والبابا يوحنا بولس الثاني
كانا من أبرز عوامل إسقاط الإتحاد السوفييتي، وفق منطق المجابهة الثقافية.
وهذا ما تكرر في التجربة اللبنانية مع حكومة حسان دياب. فالحكومة التي
احتمت بدبابات وصواريخ، سقطت.
سقوط ورقة التفاهم
لم تسقط
حكومة حسان دياب وحدها أو تلقائياً. معها سقطت رموز وقواعد كثيرة. في
الشارع المسيحي، لم يعد سهلاً الاقتناع بما نُسج في تفاهم مار مخايل عام
2006. ورقة التفاهم بين عون وحزب الله قضى عليها حسان دياب خلال فترة وجوده
في السرايا. فتجربة دياب أظهرت فشلها وفشل رؤية حزب الله في السياسة
المحلية.
أراد الحزب إزاحة الجميع وتهميشهم ليتفرد دياب، حتى كاد أن
يخسر كل شيء. وهذا مؤشر مستقبلي لما ستكون عليه النتائج، في حال اختار حزب
الله انتخاب جبران باسيل رئيساً للجمهورية.
سقوط دياب مرآة لباسيل
حسان
دياب استُهلك منذ اللحظة الأولى لتوليه رئاسة الحكومة. أخطأ مع الجميع،
قوى سياسية محلية ودولية. ناطح الأميركيين والفرنسيين، شاكس السياسيين
وناكف العرب. حتى نبيه بري لم يكن قادراً على احتماله. ضغط الحزب على برّي
مراراً للتعاطي بواقعية مع دياب، حتى انفجر وساهم في الإطاحة به.
هذا النموذج يظهر كيف ستكون نتائج وصول جبران باسيل إلى رئاسة
الجمهورية. فهو مستهلك وغير مرغوب به من القوى السياسية اللبنانية ومن
الشعب اللبناني، وبسبب مواقفه العدائية تجاه دول كثيرة، غربية وعربية. وهنا
سيكون تفاهم مار مخايل على المحك.
نقمة المسيحيين
وتمثل
تجربة حسان دياب أقسى الضربات التي يتعرض لها التحالف الماروني الشيعي. على
الصعيد الشعبي أولاً. وهذا ما ظهر في محطات كثيرة، ليس آخرها الجو المسيحي
العام الناقم بعد تفجير مرفأ بيروت، وشعور المسيحيين بأنهم خسروا أحد أبرز
المرتكزات التي قاتلوا في سبيلها طوال الحرب، ناهيك عن الدمار الذي لحق
بأحيائهم البيروتية.
من الواضح أن المنازلة التي حصلت بين البطريرك الماروني بشارة الراعي ورئيس الجمهورية، قد فاز فيها الراعي، فيما كان عون يبذل جهده لمنع أي وزير من الاستقالة. والدليل تجربة استقالة ناصيف حتي، وتعيين عون سريعاً مستشاره بدلاً منه.
لكن ما جرى أمس الإثنين 10 آب تخطى قدرة عون وصهره وفعاليتهما، لا سيما بعد زيارة ماكرون، والتي كانت فحواها متطابقة مع طروحات الكنيسة المارونية: عدم السماح للبنان بالذهاب شرقاً، وخصوصاً مع تمسك الكنيسة بوجهتها الغربية وليس المشرقية، عكس طروحات عون التي كانت تجنح إلى تحالف الأقليات. لقد عاد الموارنة إلى مواقعهم.
كان موقف الكنيسة المسيحية متماهياً مع حزب الله في حربه السورية في وقت سابق، وسلّف الحزب إياه مواقف داعمة في بروباغندا محاربة الإرهاب. وكان موقف البطريرك الراعي لافتاً قبل سنوات، عندما قال مرة: لولا حزب الله لوصلت داعش إلى جونية.
الآن حصل تبدل هائل في هذا الموقف، إضافة إلى تبدل كبير وعام في المزاج الماروني، وخصوصاً ما بعد تظاهرة يوم السبت الفائت ومشهدية تعليق المشانق.
لذا، لبنان أمام تطورات جديدة وكثيرة في الأيام المقبلة.