باريس كانت مع سعد وواشنطن مع نواف؟!
جورج شاهين – الجمهورية
كان اللبنانيون ينتظرون وصول مساعد وزير الخارجية الأميركية للشؤون السياسيّة ديفيد هيل الى بيروت للاطّلاع على ما في جعبته، سعياً الى فهم الجديد من الطروحات الفرنسية. وطالما انها تزامنت مع وصول وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف، فقد بدأ البحث عن صورة ثلاثية الأبعاد مطلوبة للحل في لبنان من أطرافها باريس وواشنطن وطهران. وعليه، ما الذي يمكن البناء عليه؟
لم يعد خافياً على أحد حجم السباق القائم بين البوارج وحاملات الطوافات والغارات الديبلوماسية على الساحة اللبنانية. فالنكبة التي حَلّت باللبنانيين نتيجة انفجار المرفأ وتردداته الكارثية أحيَت المبادرات الانسانية العربية والغربية على رغم من ابتعاد العرب سياسياً وديبلوماسياً عن أي مبادرة عقب المقاربة الجديدة التي أطلقها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون على اساس أنّ مفتاح أزمة لبنان سياسي.
فقد ثبت انّ الازمة النقدية في لبنان لم تكن لأسباب مالية واقتصادية فحسب، بل هناك وجه سياسي لها عَمّقته السياسات اللبنانية المعتمدة في قصر بعبدا والسرايا الحكومية والضاحية الجنوبية لبيروت. وهي التي أدّت الى شرخ عميق في علاقات لبنان مع أصدقائه التاريخيين. فقادت البلد خلف المحور المعادي لمجموعة الدعم الدولية من اجل لبنان وأصدقائه الخليجيين. وعندها، تفاقمت الأزمة. وما زاد في الطين بلة جائحة «كورونا»، واكتمل «النقر بالزعرور» بحلول نكبة 4 آب، فبلغت الأزمة الذروة، وليس أدلّ على ذلك من الاعتراف الدولي والمحلي بأنّ ما لحق بلبنان من أضرار منذ بدء الأحداث في العام 1973 وحتى 3 آب 2020 لا يتجاوز الـ 35 % ممّا لَحق ببيروت ومحيطها في دقائق من مساء 4 آب. هذا قبل ان تستكمل الجردة لتطاول حجم الخسائر الناجمة عن الأضرار الإقتصادية غير المرئية وتلك الناجمة من تدمير وإقفال آلاف المؤسسات والمكاتب التي هجرت بيروت او انتقلت الى مناطق اخرى في الداخل والخارج وما بلغه حجم البطالة.
وفي الوقت الذي انطلقت فرَق الإغاثة الدولية العربية والغربية بما فيها المستشفيات الميدانية التي استقطبت كل انواع المراجعات الطبية، تبقى الانظار متوجّهة الى تلك المتخصّصة في جوانب من التحقيق سواء على المستوى الكيميائي او التقني. وهي ما زالت تبحث في بقعة التفجير عمّا يدلّ الى الأسباب الحقيقية التي قادت الى تفجير «عنبر النيترات»، وهي تشمل مناطق بين البحر والبر وفي المنطقة المنكوبة في انتظار الصوَر التي ستوفرها الأقمار الصناعية الاميركية والفرنسية، كما طلب لبنان، بحثاً عن عوامل خارجية يمكن ان تقود الى تحديد أسباب ما جرى ليبنى على الشيء مقتضاه. وهي مهمة يجب ان تكمل ما يجري على مستوى التحقيق الاداري الذي يقوم به القضاء لتحديد المسؤوليات في ما يسمّى «الاهمال الوظيفي» او «التقصير» في اتخاذ ما كان يجب اتخاذه من إجراءات استباقية.
على هذه الخلفيات تتجه الأنظار الى الحراك الديبلوماسي الذي يقوده ممثلو الثلاثي الدولي انطلاقاً من المبادرة الفرنسية واستقصاء رد الفعل الأميركي كما الإيراني. فقد بات واضحاً انّ الرئيس ايمانويل ماكرون كان متحمّساً لعودة الرئيس سعد الحريري عبر حكومة سمّاها «وحدة وطنية» ولكن بمفهوم غير ذلك السلبي لبنانيّاً. فبعد توضيح الاليزيه، سعى السفير الفرنسي برونو فوشيه، الذي لم يوفّر اتصالاً أجراه في الأيام الماضية مع رؤساء الأحزاب الذين شاركوا في لقاء 6 آب في قصر الصنوبر، الى توضيح انّ ما قصده رئيسه يعني أن تكون حكومة يتوافق عليها اللبنانيون ليطلقوا يدها داخليّاً وخارجيّاً فلا تعمل سوى لمصلحة ما هو مطلوب من إصلاحات بنيوية وهيكلية توفّر الحد الادنى من مطالب صندوق النقد الدولي لتنطلق المفاوضات مجدداً، وخصوصاً أنهم توافقوا بعد جهد كبير على أنه البوابة الاجبارية ليستعيد لبنان صدقيته في العالم والثقة المفقودة داخليّاً وخارجيّاً وللاستفادة من قروض وهِبات «سيدر 1» والجهات والحكومات المانحة.