استعدادات العدو الإسرائيلي لمواجهة حزب الله: “وحدة الأشباح” وسيناريو الاجتياح
سامي خليفة – المدن
اختتمت إسرائيل يوم الخميس الماضي، مناورة “السهم القاتل” التي حاكت مواجهة على جبهاتٍ عدة، وركزت على الجبهة الشمالية مع لبنان. وقد حظيت هذه التدريبات العسكرية باهتمامٍ إعلامي بارز، كونها جاءت في إطار خطة التدريبات السنوية للعام 2020، وشهدت حركة ناشطة للمقاتلات والمروحيات في جميع أنحاء الدولة العبرية، فضلاً عن استنفار قوات الأمن والمركبات العسكرية والقطع البحرية في مختلف المناطق إضافةً إلى مينائي حيفا وأسدود.
مواجهة في جنوب لبنان
شارك في المناورة الضخمة مقرات قيادة وقوات نظامية واحتياط وأسلحة الجو والبحر والبر، إضافةً إلى هيئة الاستخبارات والهيئات التكنولوجية واللوجستية، وهيئة الاتصالات والحماية في مجال الحرب الإلكترونية. وسبق ذلك أن أجرى الجيش الإسرائيلي ندوةً خاصة تمهيداً للتدريبات تُعنى بموضوع الهجوم العسكري بمشاركة كافة قادة الفرق والألوية العسكرية النظامية، بُحث فيها مواضيع تتعلق بضرب الأهداف وتبني لغة مشتركة.
كما في التدريبات السابقة التي شهدتها إسرائيل، قدمت المحاكاة، حسب المحلل العسكري لصحيفة هآرتس الإسرائيلية عاموس هرئيل، سيناريو ينطوي على اندلاع مواجهة عسكرية مع حزب الله في جنوب لبنان. وفي السيناريو الجديد، مثّلت سلسلة التلال بالقرب من قرية كابول في الجليل الغربي، داخل “الأراضي الإسرائيلية”، بينما مثّل جدول هيلازون الحدود اللبنانية.
في المحاكاة ، كانت القرى الواقعة إلى الشمال هي وجهة الحرب، وافترض العسكريون الإسرائيليون نشر حزب الله فيها وحدات من قوات الرضوان، وهي قوات النخبة التابعة له. ووفقاً للسيناريو، نتجت الحرب عن سلسلة من الأحداث المنفصلة التي تصاعدت بسرعة من جولة محدودة من القتال إلى مواجهة شاملة، مع تداعيات على سوريا وقطاع غزة أيضاً.
تقديرات أكثر واقعية
يشير هرئيل أن المعركة المفترضة كانت تدور حول المبادرة والوقت، وأي جانب سيتولى زمام الأمور ومدى سرعة رد فعله. وشهدت المناورة محاكاة بعض الغارات الجوية على الأراضي الإسرائيلية على مقربة شديدة من وحدات الجيش الإسرائيلي، بهدف إبعاد مقاتلي وحدة الرضوان عن المناطق التي استولوا عليها.
هدف القوات الإسرائيلية، كما ينقل هرئيل، هو الكشف عن البنية التحتية للحزب وأفراده المنتشرين حول منطقة حضرية كثيفة، وضربهم وإيقافهم عن العمل. لتحقيق هذه الغاية، تم توظيف شبكة هائلة من وحدات الاستخبارات والطائرات والمراقبين والتكنولوجيا الإلكترونية. وبعض هذه القدرات كانت موجودة بالفعل في أيدي الوحدات التي قادت المناورات الأرضية.
وبدت تقديرات الخسائر في التدريبات هذه المرة أكثر واقعية مما كانت عليه في الماضي. لذلك افترضت قيادات الجيش الإسرائيلي وقوع مئات القتلى وآلاف الجرحى في هجمات بالصواريخ على مناطق مدنية، إلى جانب تكبد الجيش خسائر فادحة في العملية البرية. وبما أن المواجهة العسكرية المقبلة لن تُحسم وحسب من خلال المواجهة على الأرض، إنما أيضاً بالمحادثات السياسية بين تل أبيب وواشنطن، وربما بشكلٍ أساسي مع موسكو.. كان على المشاركين على مستوى هيئة الأركان العامة معالجة هذه التطورات في التدريبات.
اجتياح لبنان
في السياق ذاته، أشار المحلل العسكري في موقع “يديعوت أحرونوت”، رون بن يشاي، أن المناورة حاكت لجم هجوم بري مفاجئ من جانب حزب الله والتوغل إلى الأراضي الإسرائيلية القريبة من الحدود، وتنفيذ الفرقة العسكرية الإسرائيلية 162، والتي تضم خمسة ألوية عسكرية، اجتياحاً برياً سريعاً في الأراضي اللبنانية، بهدف شلّ نيران حزب الله القصيرة المدى، وتدمير منظومة الحزب العسكرية داخل الأراضي اللبنانية.
جرت التدريبات، وفق بن يشاي، بمفهوم يقضي بتنفيذ عمليات هجومية وفتاكة، تطمح إلى كشف دقيق لمكان العدو ونواياه، وعمل قدرات كافة أذرع الجيش الإسرائيلي، بتعاونٍ وتنسيق وثيق، من أجل الوصول إلى حسمٍ بأقل وقت ممكن. وشمل المفهوم الجديد استخدام ناجع للتكنولوجيا، والغاية هي الوصول إلى وضعٍ يكون فيه لدى شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية بنك أهدافٍ جديد، فيه آلاف التفاصيل التي يتعين على سلاح الجو مهاجمتها بوتيرة سريعة جداً.
وحدة الأشباح
ولعل أبرز ما ميّز مناورة “السهم القاتل”، مشاركة “وحدة الأشباح” الإسرائيلية، وهي أكثر الوحدات العسكرية تطوراً، تم استحداثها منذ نحو عام كجزء من برنامج “تنوفا” متعدد السنوات، بهدف القتال على كل الجبهات وبجميع الظروف، والتي أصبحت تشكل قوة متعددة المستويات ذات قدرة قتالية عالية لرصد المقاتلين والقضاء عليهم.
تستند الوحدة الجديدة متعددة الأبعاد في الجيش الإسرائيلي بشكلٍ عام إلى المفهوم العسكري الأميركي للثورة في الشؤون العسكرية الذي تم تطويره منذ سنواتٍ من أجل وضع الأساس للتغيير في الجيش الأميركي. وهكذا وُصفت الوحدة الجديدة بأنها “كتيبة بقدرات فرقة”.
هذا، وذكرت مصادر عسكرية إسرائيلية إن الوحدة ستكون مجهزة بأنظمة أسلحة متطورة للغاية وستكون قادرة على التشغيل المباشر للوحدات الجوية والبحرية للاستفادة من المعركة، من دون الحاجة إلى مطالبة المستويات العسكرية الأخرى بالمساعدة أو حتى التنسيق.
عمل رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي على تأسيس الوحدة بهدف إنشاء قوة تكون قادرة على تغيير الوضع في ساحة المعركة ضد حزب الله في وقتٍ قياسي باستخدام جميع أجهزة الاستشعار ومختلف الأسلحة. قبل توليه منصبه، قام كوخافي بتحليل نقاط ضعف القوات البرية في ساحة المعركة. ورأى أن هناك حاجة إلى تغيير يأتي من خلق لغة مشتركة بين القوات الجوية والبحرية والبرية والاستخباراتية التي من شأنها تقصير العمليات وتغيير ساحة المعركة بشكلٍ كبير.
الوحدة الأفضل في إسرائيل
في بداية عام 2019، تم تكليف قائد الفرقة 98، العميد يارون فينكلمان، أحد قادة النخبة في الجيش الإسرائيلي والمتخصص أيضاً في الأساليب القتالية، بمهمة تشكيل “وحدة الأشباح”. كجزء من عملية التشكيل، تم اختيار المقاتلين والضباط البارزين بعناية من بين أفراد الطاقم الجوي من ذوي المعرفة والخبرة في العمليات مع القوات البرية.
من بين الأهداف التي حددها فينكلمان: وضع مفهوم متقدم ومتطور استجابة للتهديدات الأرضية، والتنظيم السريع لتلبية الأهداف والجداول الزمنية التي وضعها رئيس الأركان، والقدرات المتقدمة والفعالة ضد حزب الله. ووفقاً لمصادر الجيش الإسرائيلي، تمكن قادة الوحدة من إثبات أن أنظمة القيادة والتحكم ونقل البيانات يمكن دمجها بين الطيارين المقاتلين والاستخبارات والقوات البرية بطريقة من شأنها اكتشاف الإرهابيين والرد بهجومٍ سريع ودقيق على اعتداءٍ غير مسبوق.
ويفترض الجيش الإسرائيلي أن الوحدة قادرة على تطوير أساليب من شأنها أن تساعده على تحديد أهدافٍ في أراضي العدو ومهاجمتها على الفور تقريباً عبر مجموعة متنوعة من الأسلحة، بغية الوصول إلى الهدف النهائي. كما أن القوة الجوية هي شريك كامل في الوحدة متعددة الأبعاد وهي جزء لا يتجزأ من بناء القوة وبناء الكفاءة.
مجندات إسرائيليات في الصفوف الأمامية
وعلى خطٍ موازٍ، كشفت قناة “كان” الإسرائيلية، عن تشكيل عشر مجندات من فيلق المخابرات الميدانية التابع للجيش الإسرائيلي، فريق تشغيل طائرات من دون طيار ضمن كتيبة ميدانية تتمركز على الحدود الشمالية، كانت في السابق عناصرها تنحصر بالذكور. ولفتت القناة أنه سيُطلب من المجندات الالتحاق بالصفوف الأمامية وعبور الحدود لمواجهة حزب الله في لبنان، في سابقةٍ هي الأولى من نوعها.
تاريخياً، لم تتواجد المجندات الإسرائيليات في الوحدات التي تعبر حدود إسرائيل، وبالتالي لم يكنّ قادرات على شغل الأدوار القتالية في الخطوط الأمامية. ومن المتوقع أن تدخل هذه الوحدة طور التشغيل الكامل في الأسابيع المقبلة.
يُذكر أن النساء في إسرائيل لا يزلن ممنوعات من الخدمة في ألوية المشاة والألوية المدرعة والغواصات وبعض وحدات النخبة للاستطلاع، مثل “سايريت ماتكال”، وهي نخبة القوات الخاصة التابعة لقوات الدفاع الإسرائيلية، وقوات البحرية “شايطيت 13″، وهي وحدة كوماندوز بحرية تابعة للبحرية الإسرائيلية.