كيف يرتاح اللبنانيون لبرامج جبران باسيل؟!
مروان اسكندر – النهار
نهار الاحد في تاريخ 10/1/2021 طالعنا جبران باسيل بتأكيده ان الرئيس المكلف لن يستطيع تأليف الحكومة إلا بحسب المواصفات التي يريدها رئيس الجمهورية، وبالطبع باسيل نفسه.
إنه يطلب حكومة عادية على النسق الذي شارك فيه وتعثّر في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة في قطاع النفط، والكهرباء والمياه، ولم يتمكن خلال عشر سنين من السيطرة على وزارة الطاقة وزيادة الانتاج والتسليم، بل لجأ منذ عام 2013 وحتى تاريخه الى استئجار بواخر تركية لتوليد 250 ميغاواط بكلفة تفوق الـ25-27 سنتاً للكيلوواط ساعة للمستهلكين، هذا عدا عن الهدر الناجم عن اهتراء شبكات التوزيع والسرقات التي تتعرض لها.
إن فشل مشاريع الكهرباء، ومنها عقد أُبرِم عام 2013 لإنجاز محطة بطاقة 450 ميغاواط، مردّه الى ضعف جهاز الوزارة وعدد خبرائها الـ 40 الذين يزيدون على خبراء وزارة الطاقة الاميركية!
أما الحصيلة فكانت تبخّر الاحتياط بالعملات الاجنبية بسبب خسائر وزارة الطاقة على مستوى 34 مليار دولار خلال عشر سنين، وبعد اضافة تكاليف الفائدة باتت الخسارة تساوي 65% من الدين العام، والنجاح الوحيد في مجال انتاج الكهرباء كان لأصحاب المولدات الخاصة الذين أصبح لديهم مولدات بطاقة 1600 ميغاواط، في حين أن الدولة لا تحوز أكثر من 700 ميغاواط عاملة يعود الفضل في وجودها الى رفيق الحريري الذي وفر لها التمويل الطويل الأمد والاشراف الصحيح على التنفيذ.
طاقم الوزير باسيل فشل في زيادة الانتاج وعجز عن إحراز تقدم في تأمين الطاقة وتخفيف تكاليف انتاجها، الامر الذي لو حصل وتوافق مع زيادة التعرفة بنسبة 25% وكذلك التحصيل، لكان ألغى اضرار عجز التوفير الكهربائي، ليس فقط للاستعمال المنزلي بل ايضًا لخدمات التخابر، والتعليم عن بُعد الذي اصبح حاجة ملحّة، وتصرفات الوزير سيزار ابي خليل، والوزيرة ندى البستاني لم توفر اي اقناع لشركات انتاج الكهرباء بالتعاون مع لبنان.
لا شك لدى اي مراقب، ومن هو اقرب الى الوزير باسيل وحزب الرئيس عون من رئيس لجنة المال والموازنة النيابية ابراهيم كنعان الذي اظهر في مقالين في “النهار” مساوئ معالجة مالية الكهرباء، وأن هذه الوضعية تستوجب طلب الغفران من الشعب اللبناني.
وعلى رغم كل هذه الحقائق، يعتبر الوزير باسيل ان فريق الرئيس وفريقه يستطيعان إخراج لبنان من أزمته التي تسببوا بها بسبب سياسات الطاقة وممارسات وزارة الاتصالات التي شملت استئجار مبنى لحاجات الوزارة بـ12 مليون دولار لسنتين ولم تستعمل ليوم واحد، ولا يزال المبنى من دون انجاز، فهل يجوز ان يحصل هذا الامر ولا نشهد تحقيقاً في شأنه، وإن كانت التحقيقات في ملف الفيول المغشوش اصبحت مشوبة بالتساؤلات، فهل يعقل ان يحاسب زميل الوزير باسيل على هفواته في وزارة الاتصالات؟ بالتأكيد لن يحاسب.
هنا نأتي الى بيت القصيد. جبران باسيل والرئيس ميشال عون يعتبران ان التحقيق المحاسبي الجزائي في حسابات مصرف لبنان هو الامر الذي يشكل المدخل الحقيقي لمعالجة الازمة المالية والمصرفية. ليت الوزير باسيل يتذكر التاريخ المتعلق بالحكم في لبنان ومجرياته، لكان قرأ عن مشروع مرسوم رقمه 17053 انجز في تاريخ 13/4/2006 اي قبل 14 سنة، ووقعه الرئيس اميل لحود ورئيس الوزراء فؤاد السنيورة، ووزير المال الدكتور جهاد ازعور، وهو اصبح اليوم المسؤول الاساسي لدى صندوق النقد الدولي في منطقة الشرق الاوسط، ولم يشاوره ايّ من خبراء الرئيس عون في ما يجب إنجازه للحصول على دعم الصندوق، والذي اعلنت عنه الرئيسة التنفيذية للصندوق، وصرحت تلفزيونيًا بأن لبنان يحتاج الى مساعدة الصندوق، وأن الأخير على استعداد لتوفير المساعدة، وكل المطلوب ان يكون الفريق اللبناني جاهزًا للتحسين الاداري ومستعدًا للتفاوض على اساس مخططات الاصلاح.
هذه المخططات وضعها فريق عمل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لكن باسيل يعتبر ان اللجوء لخبرات غير الفرنسية عبر شركة توتال التي بحثت عن آثار محتملة لوجود طبقات من الغاز في الرقعة الرقم 4 هذه السنة وتوقفت بعد التوصل الى اعماق تفوق الـ 4 آلاف متر من دون نتيجة محسوسة.
الرئيس عون اعلن للبنانيين بمناسبة عيد رأس سنة 2019 ان لبنان اصبح بلدًا نفطيًا، وكل ما حصل على صعيد النفط هو استيراد فيول ملوث، وتصدير كميات كبيرة الى سوريا عبر الشاحنات والبواخر الصغيرة تراوح ما بين 2-3 ملايين طن سنويًا، والشركة المصدرة من لبنان معروفة، ويملكها ابن خال الرئيس بشار الاسد، والحكم السوري يطالبه بـ 10 مليارات دولار ضرائب ربح على هذه العمليات ونحن غافلون عن التحرك. ولبنان لم يصبح بلدًا نفطيًا، بل هو يمدد لهيئة لادارة شؤون النفط تنقصها المعرفة وانتهى زمن تشكيلها قبل سنتين من دون تعديل في عضويتها سوى استقالة الخبير الحقيقي الذي اشرف على بدء عملها في سنتها الاولى عام 2013.
مشروع المرسوم 17053 الذي اراد الرئيس اميل لحود اصداره بالتعاون مع رئيس الوزراء فؤاد السنيورة، يشمل خمس صفحات تشرح موجبات المرسوم، كما افترض ان الغرض منه هو “التحقيق في حسابات الادارات العامة والمؤسسات العامة والبلديات واتحادات البلديات والمرافق العامة التابعة للدولة او المؤسسات العامة”.
لقد كان هذا المرسوم الذي لم يصادَق عليه في حينه يهدف الى تمكين الدولة من ضبط جميع حساباتها، وكل ما اراده الرئيس عون في الآونة الاخيرة حينما ارسل مشروعًا الى مجلس النواب، التحقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان، علمًا ان ارقام مصرف لبنان تتحقق منها شركتان عالميتان بحسب شروط المحاسبة المقترحة من بنك التسويات الدولية الذي انشىء في سويسرا عام 1930.
بالطبع مجلس النواب وسّع اطار المرسوم المطلوب من الرئيس عون، وإذا شاء المجلس حقًا استكشاف مساوئ المحاسبة العامة، فليبدأ بمراجعة حسابات وزارة الطاقة وحينئذٍ ستظهر الحقيقة، وهي ان هذه الوزارة بددت الاحتياطات وتصرفات وزرائها وموظفيها ابعدت الشركات الدولية عن مقاربة اوضاع الكهرباء، ولم يبق سوى صندوق النقد الدولي يصر على هذا الامر كما البنك الاوروبي، وهاتان المؤسستان ترغبان في المساعدة ولا تلقيان الحماسة والتعاون المطلوبين من المسؤولين اللبنانيين.
جبران باسيل سينتظر طويلاً قبل ان يلقى تجاوبًا، خصوصا ان كتلته النيابية خسرت 7 اعضاء من أصل 18 ولم تعد تضم اكثر من 10 نواب.