إسرائيل تستخرج الغاز بعد شهر ولبنان يضيّع مليارات الدولارات
بُنِيَت الكثير من الآمال الزائفة حول استفادة لبنان من مخزون النفط والغاز، وتعاظمت الآمال الاقتصادية مع حفر أول بئر استكشافي. لكن سرعان ما اتّضَحَت الأمور، وعاد كل شيء الى حجمه الطبيعي، وذهب لبنان في تخبّطه وأزماته المعروفة.
ضياع الوقت
وعادت الآمال ضئيلة حين بدأت مفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيلي. فالاتفاق على الحدود يعني طي صفحة الخلاف حول المساحات التي سيُستَخرَج منها المخزون لصالح كل طرف. غير أنَّ الخلاف حول النقاط البرية والبحرية التي تفصل بين حدود سيطرة الطرفين، أجلت احتمال الوصول إلى حل، وبالتالي حسم حصة لبنان من المخزون في المنطقة المتنازع عليها.
واللافت أن المنظومة الحاكمة لديها مستندات ووثائق تثبت حقّها في مساحة تزيد عن تلك التي تدّعي إسرائيل انتماءها للبنان. ومع ذلك تصرّ منظومتنا على تضييع الوقت وعدم تقديم حججها الرسمية للأمم المتحدة وتثبيت حقها في مساحة إضافية ومخزون أكبر، ما يعني خسارة مئات مليارات الدولارات مُسجَّلة في حساب الخزينة اللبنانية مع وقف التنفيذ حتى الاستخراج. وعلى لبنان حفظ حقه المستقبلي.
عدم الانتظار
لا تؤمن إسرائيل بمبدأ الانتظار. فهي تشقّ طريقها عبر الأشواك نحو الشجرة. هي كالسارق، تتسلَّق أو تستعين بشيء ما لترتفع، ويصبح قطف الثمار سهلاً جداً. أمّا صاحب الحقل، وإن كان صاحب الحق، فينتظر مَن يشقّ له الطريق ويزيل الأشواك ويلتقط أصغر الحصى المنثور، ليصل صاحب الحق إلى مشارف الشجرة، ويهدد السارق بصوت خافت، بأن يشكوه إلى قضاءٍ هزيل. ومَع ذلك، يجلس صاحب الحقل مكانه، لا يُخيف السارق ولا يقدّم شكواه إلى القضاء. ويمتعض من سرقة الثمار.
هذه حال لبنان في آباره البحرية. قفزت إسرائيل فوق بيروقراطية المحادثات الرسمية، سواء بينها وبين قبرص، أو بين قبرص ولبنان، أو بينها وبين لبنان. وعلَّقَت خطّافات صنّاراتها في أروقة المكاتب والمحادثات لتثبت “حُسن نيّتها”، وركضت خلف مصالحها. لَزَّمَت حقل كاريش لشركة انرجين اليونانية، وتعاقدت الأخيرة مع شركة في سنغافورة لبناء باخرة تسحب مخزون الحقل. ومن المنتظر انطلاق عملية السحب بعد نحو شهر.
الاستفادة من ثروات متنازع عليها أمر غير قانوني في المبدأ. إلاّ أن إهمال الثروات غير منطقي. وعليه، أعطى القانون الدولي الحق لمن يستغل الثروات، في الإفادة من أفضلية ما، في الاستعمال وفي التحكيم بالحدود. وتماثل هذه الأفضلية مبدأ “الأرض لمن يزرعها”، لا لِمَن يتركها تبور.
مكاسب إضافية
يمكن للبنان لجم الحماس الاسرائيلي وتعطيل الأفضلية التي يعطيها القانون الدولي. فالخلاف حول الحدود البرية والبحرية، تبدده الوثائق التي يملكها الجيش اللبناني، والمستندة إلى وثائق المكتب الهيدروغرافي البريطاني الذي أكّد في العام 2011 أن حدود لبنان البحرية تمتد الى مساحات أبعد نحو الجنوب، باتجاه المياه الفلسطينية المحتلة. وبالتالي، يمكن للبنان المطالبة بمساحات أوسع من المياه، تصل إلى تقاسم مخزون حقل كاريش مع إسرائيل. أي أن المكتب البريطاني، يؤكد حق لبنان بما يفوق المساحة التي تطالب بها الحكومة اللبنانية.
فالحكومة تطالب الحصول على منطقة تمتد من رأس الناقورة حتى النقطة رقم 23 في البحر (بحسب ما توضحه الصورة أدناه). فيما إسرائيل تصرّ على إبعاد الحدود مع لبنان من رأس الناقورة الى النقطة رقم 1. وبذلك، تكون المساحة المتنازع عليها هي 860 كلم مربع. في حين أن المكتب البريطاني، يثبت حق لبنان بمساحة 1430 كلم مربع، من رأس الناقورة باتجاه النقطة رقم 29. أي أن لبنان عليه أن يطالب بمساحة 2290 كلم مربع.
للحصول على تلك المساحة وما تكتنزه من مخزون، يُفترض بالحكومة اللبنانية أن تعدّل المرسوم رقم 6433 تاريخ 1 تشرين الأول 2011 الذي عين الحدود البحرية للمنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية، عند نقطة رقم 23. بعدها، يُودِع لبنان الأمم المتحدة مرسومه المعدَّل، فيصبح تفاوضه على المساحة الإضافية مشروعاً دولياً، وينتفي الاستناد الإسرائيلي إلى أفضلية البدء بالاستخراج.
تساؤلات مشروعة
أرسلت الحكومة طلباً للمكتب الهيدروغرافي البريطاني، في آب 2011، لمساعدتها على تثبيت الحدود بخرائط واضحة. لم تنتظر الحكومة الرد البريطاني، وسارعت بعد شهرين لإقرار مرسوم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة… ما يطرح علامة الإستفهام الأولى.
أجرى الجيش اللبناني عمليات التدقيق الحدودية بالاستناد إلى الوثائق البريطانية، وثَبَّتَ حق لبنان بالحدود الاضافية، وأرسل الملف الى الحكومة في نهاية العام 2019. ومع ذلك، لم يُعَدَّل المرسوم… وهذه علامة استفهام ثانية.
في شهر آذار من العام الماضي، وقَّعَت وزيرة الدفاع زينة عكر على الملف، وما زال ينتظر لدى رئيس الحكومة حسان دياب، بعلم جميع القوى السياسية الممثَّلة في الحكومة. ولم يحرِّك أحدهم ساكناً… وتلك علامة الاستفهام الثالثة.
هَلَّلَت أركان المنظومة لبدء التفاوض مع الكيان، وتكلَّلَت العملية بشعار التفاوض بين “حكومة لبنان وحكومة إسرائيل”. اعتَرَضَ البعض على شكل الوفد اللبناني المفاوض، بواسطة بيان أُصدِرَ خلسةً فجر يوم التفاوض. لكن من دون الإشارة الى الحقوق المبيَّنة، ومن دون تحرّك رسمي لتعديل المرسوم وإرساله عاجلاً إلى الأمم المتحدة… وهنا علامة استفام رابعة.
علامات استفهام كثيرة من شأنها قلب الأمور رأساً على عقب وإكساب لبنان مليارات الدولارات وحقوقاً سيادية موثَّقة. وحتى اللحظة، تصرّ المنظومة على الركون إلى ما حملته من حدود للتفاوض عليها، أي أنها تتخلى عن مساحة بحرية وعن مخزون من الغاز والنفط في حقل كاريش… وكل ذلك لمصلحة مَن؟
لتاريخه، لا تحرك باتجاه تحصيل الحقوق، ما خلا بضعة ناشطين مدنيين، من حقوقيين وأساتذة جامعات وصحافيين وناشطين، يجولون إلكترونياً لتوقيع عريضة تطالب المنظومة بتعديل المرسوم والدفاع عن الحقوق.
المدن