الحدود “تجمع” حزب الله والمستقبل.. وعون هو العقبة الدائمة
تتجه الأنظار اللبنانية كلها إلى فلسطين، وإلى تداعيات معركة القدس وملحقاتها في غزة. واللبنانيون علّامون في اختيار العناوين الخارجية التي يستمرئون تعليق أزماتهم عليها، لتأجيل استحقاقات بلدهم.
ملوك التأجيل والهربفمنذ ما قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية، ولبنان في حال تأجيل البت بمعضلاته وأزماته المتدافعة، وخصوصاً تشكيل الحكومة. ودخل جو بايدن إلى البيت الأبيض، واستمر تأجيل الاستحقاقات اللبنانية، في انتظار الانتخابات الإيرانية، والإسرائيلية بعدها.
وحالياً ينتظر لبنان نتائج معركة غزّة. أي ينظر الزعماء اللبنانيون هذه المحطات وسواها التي تتلوها، كبوابة لتصفية الحسابات في ما بينهم، أو لاستعمالهم نتائجها السياسية في معاركهم التي يخوضونها بالوكالة في الإقليم، كترجمة عملية لصراع المحاور التي يندرجون فيها.
وعلى إيقاع الحدث الفلسطيني حدثت تحركات شعبية، سياسية النكهة في دعمها فلسطين من على الحدود.
رسائل حزب الله
في البداية جاءت تحركات حزب الله، كإعلان تضامني يشير إلى استعداد الحزب إياه للمواجهة.
وكانت الرسالة معنوية ورمزية بامتياز.
لكنها رسالة تحمل في طياتها رسائل سياسية: أولاً، من خلال التظاهرات. وثانياً بتبنّي حزب الله محمد طحان، ابن عدلون، شهيداً حزبياً على حدود فلسطين. وثالثاً -وهذه الإشارة الأهم- أن الحزب نفسه، الذي لم يتبن التظاهرات رسمياً، أظهر قدرته على السيطرة على حدود لبنان، وكذلك تأثيره في الداخل الفلسطيني عبر علاقته بحركة حماس.
وهذه نقاط قوة يوظفها حزب الله مستقبلاً، وستكون مطروحة على أي طاولة للمفاوضات.
فرصة المستقبل
لكن الحركة على الحدود لم تقتصر على حزب الله وحده وتوابعه. فتيار المستقبل أقدم على خطوات مماثلة، في دليل على أنه نصير القضية الفلسطينية بدوره. وهذا موقف يؤكد فيه التيار الحريري على وجهته، وعدم تركه الساحة-القضية لغيره، فيزايد عليه فيها.
وهناك وفد نيابي برئاسة بهية الحريري زار غزة قبل سنوات. وأضعف الإيمان اليوم أن يقوم المستقبل بوقفة تضامنية مع غزة من جنوب لبنان.
وعلى الرغم من لقاء حزب الله وتيار المستقبل معنوياً على دعم الفلسطينيين، هناك أيضاً لقاء سياسي بينهما: تمسك حزب الله بسعد الحريري رئيساً للحكومة المؤجلة. وتحت هذا اللقاء ثمة هوامش وهواجس للطرفين: كل منهما يحاول تحسين موقعه. وهذا ما يجيده اللبنانيون على إيقاع تطورات خارجية، قد تفرض متغيرات سياسية في الداخل.
فحزب الله يعتبر أنه قادر على تحقيق مزيد من النقاط لصالحه، إنطلاقاً من فلسطين، وبعد المفاوضات النووية بين واشنطن وطهران، وبين إيران والمملكة العربية السعودية. وهذه يستثمرها الحزب إياه في الداخل اللبناني.
بلا اختصاصيين؟
ومن بوادر انعكاسات ما يجري في فلسطين على لبنان، قد يستجد صرف النظر عن مبدأ حكومة الاختصاصيين، والذهاب إلى حكومة سياسية أو تكنو سياسية، تراعي التوازنات الجديدة.
فهناك من يعتبر أن إيران لن ترضى بتشكيل حكومة اختصاصيين أو تقديم تنازلات. فما جرى يمكّنها من خروجها من موقع المحرج أو المحاصر. فها هي تخوض مفاوضات مع خصومها جميعاً. وهذا قد يسمح لها بتعزيز موقعها السياسي، وبالانتقال إلى مرحلة جديدة. وقد يعود حسن نصر الله إلى كلام سابق دعا فيه إلى تشكيل حكومة تكنوسياسية.
فرصة السعودية
وما جرى يشكل فرصة للسعودية لتعود إلى دورها الأساسي في لبنان والمنطقة. فهي حافظت على توازن مواقفها من القضية الفلسطينية، ولم تتجه إلى التطبيع، بل تمسكت بحل الدولتين. وهي صاحبة المبادرة العربية للسلام التي خرجت من قمة بيروت.
قد تستعيد السعودية دورها هذا، على إيقاع مفاوضاتها مع إيران، وبالنظر إلى موقفها من فلسطين ومع الولايات المتحدة الأميركية. المسار طويل ويحتاج إلى تبلور يفضي إلى تسوية تعيد التوازن إلى لبنان. وهذه فكرة لطالما اعتمد عليها سعد الحريري.
لكن هناك مشكلة أساسية تواجهه السعودية: بقاؤها على موقفها في انتظار ظروف تشكيل حكومة لبنانية ترعى التوازنات، وتمكّن السعودية من إعادة وصل علاقاتها ببعض الأطراف اللبنانية، وعدم ترك طرف آخر يشكل حكومة على وقع هذه التطورات.
عقبة عون وصهره
أما المشكلة الثانية في مسار المتغيرات هذه، فهو الموقف المتصلب لميشال عون وصهره. فهما بلا شك يراقبان ما يجري، ويرصدان التداعيات والتطورات. ولطالما راهنا على اتفاق إيراني-أميركي يعزز وضعهما السياسي.
وحالياً هناك مستجد أساسي: التفاوض السعودي–الإيراني. وكان عون قد استبقه في محاولته طلب ود السعودية. لكن أي تطور حقيقي في المسار السياسي لا بد أن يرتبط بتقديم عون تنازلات سياسية كبيرة، لن يقدم عليها حالياً. فعون ليس من عادته تقديم تنازلات. لذا يستمر كعقبة، يحتاج إلى معالجتها كل من يسعى إلى التسوية.
المدن